Sunday, November 22, 2009

أنا من سنين أحب الجزائر...... وتبقين يا مصر فوق الصغائر

فاروق جويدة يكتب
صرخة الشهداء خرجت من سيناء وطافت بالجزائر تعلن العصيان على كل ما حدث بين شعبين شقيقين جمعتهما الدماء ولا ينبغى أن تفرق بينهما الصغائر".

شهيد علي صدر سيناء يبكي

ويدعو شهيدا بقلب الجزائـــر

تعال إلي ففي القلب شكـــوي

وبين الجــــوانح حزن يكــــابر

لماذا تهون دماء الرجــــــال

ويخبو مع القهر عزم الضمائر

دماء توارت كنبض القلوب

ليعلو عليها ضجيج الصغائــــر

إذا الفجر أصبح طيفـا بعيــدا

تـباع الدماء بسوق الحناجـــــــر

علي أرض سيناء يعلو نــداء

يكبر للصبـــح فوق المنابـــــــر

وفي ظلمة الليل يغفو ضيـاء

يجيء ويغدو.. كألعــاب ساحــــر

لماذا نسيتــم دماء الرجــــــــال

علي وجه سينا.. وعين الجزائر؟!

***

علي أرض سينــاء يبدو شهيـد

يطوف حزينـا.. مع الراحليـــن

ويصرخ في النــاس: هذا حرام

دمانا تضيــــــع مع العابثيــــــن

فهذي الملاعب عزف جميــــل

وليســــت حروبا علي المعتدين

نحب من الخيل بعض الصهيل

ونعشـــــق فيها الجمال الضنين

ونطرب حين يغني الصغــــار

علي ضوء فجر شجي الحنيـــن

فبعض الملاعب عشق الكبــــار

وفيها نداعب حلــــم البنيــــــــن

لماذا نراها سيوفــــــا وحربـــــا

تعالــــوا نراها كنـاي حزيــــــن

فلا النصر يعني اقتتال الرفــــاق

ولا في الخســارة عار مشـــــين

***

علي أرض سيناء دم ونـــــــــار

وفوق الجزائر تبكــي الهــــــمم

هنا كان بالأمس صوت الرجال

يهز الشـعــوب.. ويحيـي الأمم

شهيدان طافا بأرض العروبـة

غني العـــراق بأغلي نغــــــــــم

شهيد يؤذن بيــــن الحجيـــــــج

وآخر يصرخ فوق الهــــــــرم

لقد جمعتنا دمـاء القـلــــــــــوب

فكيف افترقـــــنا بهزل القــــــدم ؟!

ومازال يصرخ بين الجمــوع

قم اقــــرأ كتـابك وحـي القلــــــم

علي صدر سيناء وجه عنيــد

شـــهيد يعانق طيـــــــف العلـــــــم

وفوق الجزائر نبض حزيـــن

يداري الدمــوع ويخفي الألـــــــم

تعالـوا لنجمع ما قد تبقــــــــي

فشــر الخطــايا سفيـــــــــه حكــــــم

ولم يبق غير عويل الذئـــاب

يطـــــارد في الليل ركـــب الغنــــــــم!

رضيتم مع الفقر بؤس الحياة

وذل الهــــــوان ويـــأس النـــــــدم

ففي كل وجه شظايا همــــــوم

وفي كل عيـــن يئن الســــــــــــــأم

إذا كان فيكم شموخ قديـــــــم

فكيف ارتــــــضيتم حــياة الـــــــــرمم؟!

تنامون حتي يموت الصبـــاح

وتبكون حتي يثور العــــــــــدم

***

شهيد علي صدر سيناء يبكي

وفوق الجزائر يسري الغضـب

هنا جمعتنا دمـاء الرجـــــــال

فهل فرقتنا غنــــــاوي اللعـــب

وبئس الزمـان إذا ما استكـــان

تسـاوي الرخيص بحر الذهـــــب

هنا كان مجــد.. وأطلال ذكـــري

وشـعب عـريق يسمـي العـــــرب

وياويلهــم.. بعــد ماض عــريـق

يبيعون زيفـا بســــوق الكـــــــــــذب

ومنذ استكانوا لقهر الطغــــــاة

هنا من تـواري.. هنا من هـرب

شعوب رأت في العويل انتصارا

فخاضت حروبا.. بسيف الخطب

***

علي آخر الدرب يبدو شهيــــــد

يعانــق بالدمــــــع كل الرفــــــاق

أتـوا يحملون زمانــــــا قديمـــــا

لحلـــم غفا مرة.. واستفـــــــاق

فوحد أرضا.. وأغني شعوبــــــا

وأخرجها من جحـور الشـقـــــــاق

فهذا أتي من عيون الخليـــــل

وهذا أتي من نخيل العـــــــراق

وهذا يعانق أطـــلال غــــــزة

يعلو نداء.. يطــول العنـــــــــاق

فكيف تشرد حلم بــــــــريء

لنحيـــا مـــرارة هذا السبـــــــاق؟

وياويل أرض أذلـت شموخـا

لترفـــع بالزيــف وجه النفــاق

***

شهيد مع الفجر صلي.. ونادي

وصاح: أفيقوا كفـــــاكم فســــادا

لقد شردتكم همــوم الحيـــــاة

وحين طغي القهر فيكم.. تمادي

وحين رضيتم سكـون القبــور

شبعتم ضياعا.. وزادوا عنادا

وكم فارق الناس صبح عنيـــد

وفي آخر الليل أغفي.. وعادا

وطال بنا النوم عمرا طويــــلا

وما زادنا النـوم.. إلا سهــــادا

***

علي صدر سيناء يبكي شهيـــد

وآخر يصرخ فـــوق الجزائـــر

هنا كان بالأمس شعــب يثـــور

وأرض تضج.. ومجــــــد يفاخــــــر

هنا كان بالأمس صوت الشهيد

يزلزل أرضا.. ويحمي المصائر

ينام الصغير علي نار حقــــــــد

فمن أرضع الطفل هذي الكبائر ؟!

ومن علم الشعب أن الحــــروب

كـرات تطير.. وشعب يقـامر ؟!

ومن علم الأرض أن الدماء

تراب يجف.. وحــزن يسافـــــــر

ومن علم الناس أن البطولـــــــة

شعب يباع.. وحكم يتــــــاجر؟!

وأن العروش.. عروش الطغاة

بلاد تئن.. وقهر يجـــــــاهر

وكنا نـباهي بدم الشهيــــــــــــــد

فصرنا نباهي بقصف الحناجر!

إذا ما التقينــــــا علي أي أرض

فليس لنا غير صدق المشاعر

سيبقي أخي رغم هذا الصـــراخ

يلملم في الليل وجهي المهاجر

عدوي عدوي.. فلا تخــدعوني

بوجه تخفـي بمليون ساتــــــر

فخلـــف الحـــــــدود عـــدو لئيــم

إذا ما غفونا تطل الخناجـــــر

فلا تتـــركوا فتنـة العابثيـــــــــن

تشـوه عمرا نقي الضمائــــــر

ولا تغرسوا في قلــوب الصغــار

خرابا وخوفا لتعمي البصــــائر

أنا من سنين أحـــب الجـــــزائـــر

ترابا وأرضا.. وشعبـــا يغامـــر

أحب الدمــاء التي حررتــــــــــه

أحب الشموخ.. ونبل السرائر

ومصر العريقة فوق العتـــــــاب

وأكبر من كل هذي الصغــــائر

أخي سوف تبقي ضميري وسيفي

فصبر جميل.. فللــيـــل آخــر

إذا كان في الكون شيء جميـــــل

فأجمل ما فيه.. نيل.. وشاعر

Thursday, September 10, 2009

Tuesday, August 18, 2009

كَرهْتُ النِتَّ حتّى ضِقْتُ نِتًّا
كلمات د/ مقبل احمد العمري

كرهتُ النتَّ حتى ضقت نتّا ...... وأسبابي لهذا الكره شتّى

فمنها أنّه بحرٌ عميقٌ ...... وكم يأخذ من الساعاتِ وقتا!!

ومنها أن وقتي ليس ملكي ...... فإن أنفقتهُ أنفقتُ سُحتا

فلي عملي وأبحاثي وعلمي ...... فكيف وأن لي أهلاً و بيتا

وأطفالاً أربيهم صغاراً ...... وأمنحهم من الأسبوع ستّا

فهذي أكبر الأسباب صدقاً ...... وهذا ما يزيد النت مقتا

***
ومن سوءاتهِ أنّي أجدهُ ...... كمقبرةٍ تقضي العمر صمتا

كأنك كنت فوق الأرض تمشي ...... وصرت تجالس الأموات تحتا

وأحياءٌ تكلمهم ولكن ...... تحس بأنهم أشباه موتى

فلا تسمع لهم حساً وتبقى...... تخاطبهم على الألواح نحتا

تكاتبهم وما يدريك من هم؟ ...... وإن خاطبتهم صوراً وصوتا

فما يدريك صورة من تراها؟ ...... وحتى لو سمعت الصوت حتّى!!

***

فقد تخدعّك سيدةٌ لعوبٌ ...... وتبدي صورةً فتقول بنتا

فتعشقها وتفجع إذ تراها...... وقد صارت معمرةً لفوتا

وقد يغري الفتاة قليلُ أصلٍ...... يعوض نقصهُ وصفاً ونعتا

فتحسبهُ شريك العمر حقاً ...... وتجعله لها حظاً وبختا

وتظهرهُ لها الأيّامُ شخصاً ...... حقيراً لا يساوي قطُّ سنتا

ومن آفاتهِ الإدمانُ فيهِ ...... فبئس الشخصُ إن أدمنت نِتّا

ومن سقطاتهِ إنْ تُهتَ فيهِ ...... بلا فهمٍ فبئس الزول أنتَ

تُخبِّط في مواقعهِ فتلقى ...... قبيح الجنس والفحشاءِ تؤتى

ومن آفاتهِ تلك النوادي...... وقد ملأته أوساخاً وزفتا

نساءٌ كاسياتٍ عارياتٍ ...... وفوق رؤوسهن الشقر بُختا

وفيروسات قد صنعت بخبثٍ ...... تفتُّ جهازك الآخاذ فتّا

***

ومن هفواته أني ألاقي ...... بهِ قوماً من الحسنات بهتا

لهم أخلاقُ نِتٍ سيئاتٍ ......وقد صنعوا لهم منها بيوتا

تخالطهم على شرفٍ وصدقٍ ...... وهم يبغونها عوجاُ وأمتا

يديرون النميمة باقتدارٍ...... ويهرون الورى ذماً وقتّا

وقد تلقى الشتيمة من وضيعٍ ...... فيقدر والإساءة أن يفوتا

فلا تسطيع أن تعطيه كفاً ...... تؤدبهُ ولا ركلاً وشوتا

وتلقاه يموتُ عليك ضحكاً ...... وأنت تكابد الحسرات موتا

***

ومن حسناته أني ألاقي ...... أناساً قد قضوا في الطيب صيتا

رجالاً أو نساءً طيباتٍ ...... عفيفاتٍ و أكفاءً صُموتا

وتلقى قا صرات الطرف فيهِ ...... رياحيناً ودراقاًً وتوتا

وعرباً فاضلات مؤدباتٍ ...... وحتى لا نصيب النتّ ألتا

ومن أفضالهِ أني أديبٌ ...... فأكتب فيهِ إن أحسست كبتا

ولكن إن كتبت به فأني ...... كمن يرمي النوى بحراً وخبتا

فلا ينبت به زرعٌ ويبقى...... وما حفظت مروج النت نبتا

وقد يسرقه سارقهُ بيسرٍ ...... وينسبه إليه وإن شكوتَ

فلا ينصفك منه أي شخصٍ...... ولا يسطيع قاضٍ أن يبتّا

فهل يرضى بهذا الفعل دينٌ ...... ولا عرفٌ ولا خلق تأتّى

ولا القرآن يقبله بحقٍ ...... ولا أنجيل يوحنا ومتّى!!

فهذا النت فاقررني عليهِ ...... وهل أنصفتهُ وصفاً و ثبتا؟

فإن خالفتني فاردد عليّ...... بشعرٍ مثلهِ أنّى كتبتَ

Tuesday, July 14, 2009

قهوة على الحائط


في يوليو 2007 وفي مدينة البندقية الإيطالية وفي ناحية من نواحي أزقتها النائية كنا أربعة موتورين نحتسي قهوتنا - بين العشوين - في أحد المطاعم ( .. (بورتو فينيسيا
فجلس إلى جانبنا شخص وقال للنادل/ القرسون إثنان قهوة من فضلك واحد منهما على الحائط

فأحضر النادل له فنجان قهوة وشربه صاحبنا لكنه دفع ثمن فنجانين....!

وعندما خرج الرجل قام النادل بتثبيت ورقة على الحائط مكتوب فيها فنجان قهوة واحد

وبعده دخل شخصان وطلبا ثلاث فناجين قهوة واحد منهم على الحائط

فأحضر النادل لهما فنجانين فشرباهما ودفعا ثمن ثلاث فناجين وخرجا..

فما كان من النادل إلا ّ أن قام بتثبيت ورقة على الحائط مكتوب فيها فنجان قهوة واحد..!؟

وفي أحد المرات كنا بالمطعم للغداء ..ثلاثة هذه المرة ( الرابع كان صايم الست ..) فدخل شخص يبدو عليه الفقر فقال للنادل فنجان قهوة من على الحائط..
أحضر له النادل فنجان قهوة فشربه وخرج من غير أن يدفع ثمنه..
ذهب النادل الى الحائط وأنزل منه واحدة من الأوراق المعلقة ورماها في سلة المهملات

تأثرنا طبعاً ( كمشافيح عرب ويونان..)لهذا التصرف الرائع من سكان هذه المدينة والتي تعكس واحدة من أرقى أنواع التعاون الإنساني..

فما أجمل أن نجد من يفكر بأن هناك أناس لا يملكون ثمن الطعام والشراب
ونرى النادل يقوم بدور الوسيط بينهما بسعادة بالغة وبوجه طلق باسم ( مادام فلوسه بتوصلو على داير المليم ..)!!
ونرى المحتاج يدخل المقهى وبدون أن يسأل هل لي بفنجان قهوة بالمجان

فبنظرةٍ منه للحائط يعرف أن بإمكانه أن يطلب

ومن دون أن يعرف من تبرع به ..

لهذا المقهى مكانه خاصه في قلوب سكان هذه المدينة ... منقووووووول

Monday, May 11, 2009



زويل يكتب عن .. ثروة الأمم وثورة الفكر



نشر دكتور أحمد زويل مقالا له في صحيفة الشروق قال فيه: كنت فى الماضى أختزل التفكير فى أسس التطور إلى السياسة والاقتصاد والآن أنا أكثر تقديراً للدور المهم للبعد الثقافي ، التفاعل الاجتماعى بين الأفراد له قوة تأثير تولد قوة جديدة هى قوة المجتمع.. وقوة المجتمع تحدد ثقافته ، هناك ثلاث قوى ثقافية تحدد إمكانية أن يكون المجتمع بناء: قوة المعرفة وقوة الحكم الرشيد وقوة المناخ والموارد الطبيعية لا يجب فهم نظرية توماس فريدمان أن «العالم مسطح» على أن الثقافات سواسية فى عصر العولمة.

التقدم ليس رفاهية وكل الشعوب التى ستفكر بتلك الطريقة لا يمكن لها أن تبنى ثروات.. لأن هناك علاقة طردية بين الاكتشافات العلمية والاقتصاد بل بقاء الشعوب أيضاً.

أهم صفات الحضارة الإسلامية فى الأندلس كان الالتزام بالرؤية والعدالة فكلمة القاضى كانت فوق كلمة الحاكم والقانون كان فوق الجميع.

أى نهضة فى العالم العربى لن تقوم إلا على الدستور والحكم العادل وتطبيق القانون على الجميع وتحديث العلم والثقافة مع الحفاظ على الهوية والعقيدة والقيم.

نحن فى أشد الحاجة إلى عودة الضمير وعودة الروح.. إن أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل أن تصنعه.

إن الإنسان بتركيبته العقلية المميزة يبحث دائما عن حياة أفضل، ومنذ بداية البشرية والبحث دائم عن ماهية مكونات الحياة الكريمة والتى تختلف من فرد إلى آخر ومن أمة إلى أخرى. فى العصر الحديث ــ وبالذات مع بداية الثورة الصناعية فى أواخر القرن الثامن عشر ــ كان لابد من صياغة جديدة للعوامل الدافعة للتقدم، وعلى الأخص عامل الثقافة والعامل الاقتصادى الاجتماعى فى التطور.

ظهرت مع فجر الثورة الصناعية دراسات أكاديمية كثيرة ولكن كان من أهم الكتب الرائدة كتاب «ثروة الأمم» الذى حتى الآن يجرى تداوله حول العالم، وهو كتاب للمفكر الأسكتلندى الشهير آدم سميث الذى ولد عام 1723 وتوفى عام 1790. وعند آدم سميث نظرية شهيرة فى الاقتصاد السياسى تقوم على أن الاقتصاد الحر هو الأساس فى تكوين ثروات الأمم.

وكان يعتقد ــ فى ذلك الوقت المبكر فى أواخر القرن الثامن عشر ــ أن الطريق الوحيد للتقدم هو حرية السوق والتنافس من أجل الإنتاج، والمثال الشهير الذى يضربه سميث لتوضيح أفكاره فى الرأسمالية هو: «إنك لاتحصل على العشاء هبة من الجزار أو الخباز.. بل هم يعطونك من أجل مصالحهم». أى أن التنافس بين الناس من أجل مصالحهم الخاصة هو الذى يصنع لنا المصلحة العامة أو المنفعة الجماعية.

لقد سيطرت أفكار آدم سميث لما يقرب من قرنين ومازالت، ولكن مياها كثيرة جرت فى علوم السياسة والاقتصاد وأصبح لدينا الآن حصاد وفير من أفكار ومقولات فى الاقتصاد والسياسة. ومع هذه النظرية الاقتصادية توازت نظريات سياسية تبحث فى نظم الحكم والتقدم الإنسانى عن طريق تطوير السلطة، وتعددت التساؤلات حول طبيعة نظم الحكم وطبيعة النظم السياسية. وأصبحت لدينا خريطة واسعة من الأفكار حول الديمقراطية والاستبداد، وحول الاشتراكية والرأسمالية ثم حول أنواع الاشتراكية وأنواع الرأسمالية، والتى تتباين كثيرا ما بين الرأسمالية الأمريكية المعتمدة على المنافسة الحادة والرأسمالية الإسكندنافية الأكثر اعتدالا فى السويد والنرويج.

كنت فى الماضى أختزل التفكير فى أسس التطور إلى هذين البعدين المهمين، السياسى والاقتصادى، لكننى أصبحت الآن أكثر تقديرا للدور المهم للبعد الثقافى، البعد الذى لا ينحصر فقط فى دور الكتب والصحف والسينما والمسرح، وإنما يشمل الدور المحورى لعادات وخصائص الشعوب.


الجين والإنسان والمجتمع
فيما يخص الإنسان يلعب الجين دورا محوريا، إن الحبل الجينى الخاص بالإنسان يحمل 3 مليارات حرف أو كلمة تشكل الكتاب الجينى. ويشترك الإنسان مع الشمبانزى فى أكثر من 95% كما يرى العلماء، وكل فرد منا لديه تركيبة جينية معينة، ونحن كبشر نشترك تقريبا فى أكثر من 99% من التركيبة الجينية، ولكن هذا الفارق البسيط المتبقى هو الذى يجعل شخصا ما يختلف عن آخر وبالتالى فإن التركيبة الجينية هى التركيبة التى تميز كل إنسان.

إن واحدا من أكبر اهتمامات العلم الآن هو البحث فى كيفية فك الشفرة الجينية لكل فرد منا. وكانت الميزانية المخصصة لحل الشفرة الجينية التى أعلن عنها «بيل كلينتون» وتونى بلير» فى البيت الأبيض عام 2000 عالية جدا، حيث تكلفت كل كلمة جينية دولارا واحدا لتصبح التكلفة الإجمالية لحل الشفرة ثلاثة مليارات دولار. إن العلماء الآن يبذلون جهدهم من أجل خفض التكلفة إلى أقل من ألف دولار لكل فرد. وتكمن أهمية التركيبة الجينية فى أنها تحدد الخصائص الشخصية مثل الملكات والمهارات والأمراض كما تساعدنا على تحسين سبل علاج الأمراض المختلفة. ولكن المجتمع ليس فردا واحدا وإنما هو مجموع أفراد لديهم صفات خاصة يتفاعلون فيما بينهم. هذا التفاعل الاجتماعى بين الأفراد له قوة تأثير تولد قوة جديدة هى قوة المجتمع، وقوة المجتمع هى التى تحدد ثقافتة. والعكس صحيح، فالثقافة تحدد قوة المجتمع. وهى إما أن تكون قوة بناء أو قوة هدم.

إننا إذا أخذنا بعض الأفراد ممن لديهم جينات مميزة ووضعناهم فى مجتمع غير بناء فلن يخرجوا بالكثير. وعليه فإن محصلة التفاعل بين أفراد المجتمع هى التى تحدد قوته الفكرية والإنتاجية.

إن الليزر على سبيل المثال قوة بناءة، وكل الذرات فيه تتفاعل معا لتخرج ضوءا أقوى من الشمس ــ فى فترة زمنية محددة ــ وله اتجاه محدد يشفى العين أو يسقط صاروخا. والخلية الإنسانية هى الأخرى تتكون من مليارات الذرات التى تتفاعل مع بعضها لتقوم بوظيفة معينة أو حركة معينة مثل رفع الذراع إلى أعلى أو النزول بها إلى أسفل. وإذا لم يقم بروتين واحد بوظيفته تتم الإصابة بمرض مثل «ألزهايمر».


الميم والثقافة والتقدم
لقد ذهب بعض العلماء إلى دراسات ما بعد الجين، أو دراسات « الميم». فقد خرج علينا «ريتشارد دوكنز» برؤية فى وحدة «الميم» أى وحدة الثقافة. وكلمة «الميم» كلمة يونانية تعنى التقليد وهى على وزن الجين، وهذا هو أول استخدام لها لهذا الغرض.

وعليه، فإن الميم هو عادات وثقافات ومعلومات الشعوب. ووحدة الميم تنتشر بسرعة كبيرة بين المجتمعات، وبنفس مفهوم الجينات. مثل النكتة التى تنتشر بسرعة داخل المجتمع المصرى. وحسب تصنيف دوكنز ستكون النكتة وحدة من الميم التى تمثل إحدى خصائص المجتمع المصرى. وبالتالى كما للجين من صفات محددة يصبح للميم ظواهر فى ثقافة المجتمعات، منها على سبيل المثال الإتقان والانضباط والأمانة والنميمة والفهلوة أو الضوضائية.

وفى تقديرى، هناك ثلاثة قوى ثقافية أساسية تحدد إمكانية أن يكون المجتمع بنَّاء:

الأولى: قوة المعرفة، وهى تتمثل فى التعليم والبحث العلمى. فلا توجد ثقافة تستطيع أن تصنع تأثيرا أو تبنى حضارة لها قيمة إلا إذا كان لديها قوة التعليم والبحث عن المعرفة . وهذا ما حققتة مصر من آلاف السنين بإنجازاتها فى العمارة والفلك والكيمياء وغيرها من العلوم والتكنولوجيا. ومن المفارقات أن الوزارة المعنية بالمعرفة فى مصر كان اسمها فى السابق وزارة المعارف ولكن اسمها الآن تحول إلى وزارة التعليم.

الثانية: قوة الحكم الرشيد، والتى تضمن العدل والحرية والكرامة الإنسانية. مثل هذه القيم حين تتوافر تمثل قوة سياسية مهمة للشعوب، وهى التى توقد الحماس للعمل وتولد الشعور بالولاء.

الثالثة: قوة المناخ والموارد الطبيعية، وهناك اجتهادات عديدة فى ذلك المجال. ويذهب «جاراد دايموند» للاعتقاد بأن قوة الحضارة تأتى وتذهب نتيجة لتأثير المناخ الطبيعى من مياه وتربة وكذلك عدد السكان وطبيعة بعض النزاعات. والموارد الطبيعية قد تفيد الأمم بالثروات المتاحة وقد تؤدى إلى عادات الكسل وثقافة التواكل فى بعض الشعوب.

إن محصلة القوة العامة لأى ثقافة هى محصلة القوى الثلاث، وكل دولة تحاول أن تحوز من ركائز القوى الثلاث التركيبة التى تريدها أو تستطيعها. لقد ركزت الصين مثلا على قوة التعليم والبحث العلمى، أما الولايات المتحدة فقد ركزت على قوة الحكم وحرية الفرد فى الإبداع، فيما ركزت دول الخليج على قوة الموارد الطبيعية حيث كانت التربة مناسبة لاستخراج البترول والغاز.


المعرفة وتحديات العصر
إن المعرفة تمثل أهمية فائقة فى عالم اليوم وستظل تمثل الأهمية ذاتها فى عالم الغد. فى التاريخ الإنسانى كان للتقدم سمات مميزة، ففى عصر الثورة الزراعية التى وقعت من قديم الزمان كان الاعتماد الأكبر على البنية الجسمانية «العضلات». أما فى عهد الثورة الصناعية فإن الاعتماد الأكبر كان على «المهارات» الفردية التى كانت أساسية لدفع عجلة التصنيع.. يشغلون القطارات والمحركات. إن العالم الذى نعيش فيه الآن قوته الأولى هى قوة المعرفة، قوة «العقل» البشرى. وإذا لم تتوافر لدينا قوة العقل لن نستطيع أن نكون على خريطة القرن الواحد والعشرين.

قوة العقل البشرى هى حجر الزاوية لكل الثقافات ولكن هذا لا يعنى أن الثقافات متماثلة أو يجب أن توحد، فهى فى مصر غير التى فى أيرلندا غير التى فى الصين. لذلك أعتقد أنه لا يجب فهم نظرية توماس فريدمان حول أن «العالم مسطح»، على أن الثقافات سواسية فى عصر العولمة.. الثقافات تختلف والحواجز قائمة. المصالح هى التى يمكن أن تدفع للتفاهم والترابط والتقدم. إن بلورة استخدام العقل البشرى فى أحسن صوره لن يكون ممكنا إلا إذا كانت هناك بيئة معرفية وتفكير علمى وإيمان مبنى على التنوير والاجتهاد.

التحديات فى «عصر العلم» كثيرة، ولكن الآمال والفتوحات الممكنة تجعل إنسان هذا القرن فى أزهى عصور التقدم. إن العلماء مهتمون بأشياء كثيرة ولكننى سأختار هنا ثلاثة نماذج من الفتوحات الجديدة فى جامعة «كالتك» التى أعمل بها:

ــ الرصد والتحكم فى العالم غير المرئى. يتجه العالم الآن لرؤية أشياء لم يرها من قبل، من الذرة إلى الخلية، وقد انتهينا مع المجموعة البحثية فى مركز دراسات التكنولوجيا فائقة السرعة والذى أقوم بإدارته بعمل «ميكروسكوب رباعى الأبعاد»، والذى تم منحه براءة اختراع عالمية عام 2006. هذا الميكروسكوب الإلكترونى يمكن عن طريقه رصد سمك شعرة الإنسان وتكبيرها مليون مرة، وترى الحركة الفعّالة فى أقصر زمن ممكن لتفهم ما الذى يحدث فى المادة، ما الذى يحدث فى البروتين والخلية؟ كلها أسئلة إذا أمكنت الإجابة عنها سوف تؤدى إلى اكتشافات جديدة فى النانو تكنولوجى والبيولوجيا الإنسانية والطب.

أما بالنسبة للرصد على المستوى الكونى.. العالم متناهى الكبر، فقد أنجزت جامعة كالتك «تليسكوب» مصمما بحيث يكون قطر العدسة ثلاثين مترا. وسيتكلف هذا التليسكوب مليار دولار. وقد منح «جوردون مور» أحد خريجى جامعة «كالتك» ورئيس شركة «إنتل» المعروفة 20% من تلك التكلفة.

إن جوردون مور لا يعبث بأمواله بهذا التبرع، بل هو يتمنى أن يرى ما الذى تستطيع جامعة «كالتك» أن ترصده فى الكون. إن هذا التيلسكوب سيجعلنا ــ لأول مرة ــ نرى كواكب ومجرات تأخذنا «للوراء فى الزمن» على الأقل عشرة مليارات سنة من اليوم. وهذا ليس ترفا علميا، وإنما سعى جاد من أجل اكتشاف كواكب جديدة وإقامة مستعمرات جديدة فى الفضاء يتم التحكم فيها. فعلى سبيل المثال هم يحاولون معرفة ما إذا كانت هناك حياة على المريخ أم لا، وعما إذا كانت هناك موارد وقودية جديدة على الكواكب الأخرى.

ــ الوعى والحياة. يحاول العلماء أن يفهموا طبيعة الوعى وأن يحاولوا التحكم فيه.. ان المخ يحتوى على مليارات «النيورونس» وهى خلايا عصبية «تطفئ» و«تضىء»، وعن طريقها تستطيع أن تقوم بأى حركة ميكانيكية أو فكرية عندما ترى أو تسمع أو تلمس أو تتحدث. كيف يحدث هذا وكيف ينتج الوعى؟.. وما تأثير الجين والبيئة على صحة وسلوك الإنسان؟

إن الخطأ الجينى الواحد يمكن أن يسبب مخاطر عديدة، ومرض السرطان ناتج هذه الأخطاء. نحن لم نفهم إلى الآن الآلية التى يعمل بها وبالتالى الطريقة التى يتم التعامل بها مع هذا المرض. وقد تم منح أكثر من جائزة نوبل لعدد من العلماء الدارسين لهذه الآليات، ولكننا نريد أن نكشف لماذا يختلف سرطان الصدر عن سرطانات الثدى أو الدم أو البروستاتا أو غيرها. إن بعض العلماء مثل مارك ديفيس بجامعة «كالتك» يبحثون الآن فى «خدمة توصيل الأدوية» إلى الخلية المريضة دون الأخرى. أى أنه يمكننا توصيل دواء معين إلى هذه الخلية المريضة دون أن يصل إلى خلايا مجاورة سليمة. وهناك أبحاث أخرى داخل وخارج كالتك تتناول أنواع السرطانات المختلفة، ومنها الطريقة الجديدة لاستخدام حبّات من ذرّات الذهب والتى قدمها الصديق العالم مصطفى السيد لنزع بعض الأورام من الفئران.

ــ المعلوماتية والخصوصية. لى زميل يدعى «جيف كمبل» يعمل على تقنية تسمى «كوانتم إنترنت»، وفى الوقت الذى نكون فيه ــ نحن وغيرنا من الشعوب ــ سعداء بفكرة شراء أجهزة كمبيوتر يفكر العلماء فى استخدام تقنيات معتمدة على فكرة جديدة هى «الكوانتم إنترنت». وتعنى استخدام الكمبيوتر بدون أسلاك، لا فى البحار ولا فى غيرها. سيأخذون معلومات عن طريق ذرات يتم إعطاؤها للضوء، وبعد ألوف الكيلومترات تبث مرة أخرى إلى ذرات أخرى. هذا الضوء بالطبع لايحتاج إلى أسلاك تقليدية، وتلك التجارب تم البدء فيها وسيكون لها دور خطير ليس فقط بسبب السرعة الهائلة لنقل المعلومات، ولكن هناك شيئا آخر مهم هو الخصوصية لمستخدمى الإنترنت والتى لا توجد فى شبكة الإنترنت المستخدمة حاليا. هذا بجانب تطوير البرمجيات ــ نسبة إلى الخوارزمى ــ لتصل إلى دور التحليل واتخاذ القرار كما تفعل جوجل على سبيل المثال.

قد يقول البعض إن هذا الكلام رفاهية، وأن علماء «كالتك» يكتشفون أنهم فى بلد متقدم وغنى. ولكن هذه رؤية قصيرة النظر، لأن التقدم ليس رفاهية. وكل الشعوب التى ستفكر بتلك الطريقة لا يمكن لها أن تبنى ثروات.. لا فكرية ولا اقتصادية ولا علمية. فقد ثبت أن هناك علاقة طردية بين الاكتشافات العلمية والاقتصاد.. بل وبقاء الشعوب أيضا. فالدفاع هو أساس بقاء الشعوب، واليوم عن طريق التقدم فى علوم الجين على سبيل المثال يمكن عمل فيروس أو بكتيريا لإحداث تدمير شامل، ويكفى أن نعرف الرعب الذى حدث نتيجة انفلونزا الطيور والآن إنفلونزا الخنازير ، وعن طريق الابتكارات الهائلة فى علوم الآليات والذكاء الاصطناعى يمكن إيذاء العدو باستخدام جنود صناعيين، بحيث لا يكون مطلوبا الوجود فى الميدان وإنما هناك «روبوت» و«سيارات طائرة» تحارب العدو. هذا بالإضافة للتقدم فى علوم وتكنولوجيا الطاقة النووية التى أصبحت عنصرا مهما فى الصراع السياسى فى المنطقة.


ما العمل؟
فى الماضى ازدهرت الحضارة العربية والإسلامية بالرؤية الواضحة والتقدم العلمى. وقد قرأت أخيرا كتابا أمريكيا يقول إن من أهم صفات الحضارة الإسلامية فى الأندلس كان الالتزام بالرؤية والعدالة، فكلمة القاضى كانت فوق كلمة الحاكم والقانون كان فوق الجميع.

إن وضع العالم العربى على الخريطة العالمية الآن واضح لنا جميعا. إن العالم العربى يحتاج إلى مشروع للنهضة. فالوضع الذى نحن فيه لايحتاج إلى مسكنات، وإنما إلى علاج كامل سيؤدى بنا فى النهاية إلى نهضة حقيقية. نحن فى أمس الحاجة إلى جهاد جديد، وقد كتبت فى مقالة نشرت فى صحيفة «الإندبندنت» البريطانية وتحمل العنوان ذاته

We Arabs Must Wage a New Form of Jihad

أؤكد فيها على أن أسس أى نهضة فى العالم العربى لا تقوم إلا على الدستور والحكم العادل وتطبيق القانون على الجميع، وتحديث العلم والثقافة مع الحفاظ على الهوية والعقيدة والقيم. ولايمكن أن يحدث رخاء اقتصادى أو احترام سياسى للأمة إلا إذا كان هناك تقدم فعلى ومنضبط.

إن المثقفين عليهم مسئولية وطنية وقومية كبرى. لقد علمنا التاريخ أن صناعة الحضارات تكتمل بجهود المثقفين، الذين هم فى طليعة المجتمع، وأيضا بالمشاركة الشعبية الحقيقية التى تلتف حول قيادة لديها رؤية للتقدم. لذلك فالمثقفون فى مصر والدول العربية عليهم مسئولية أكبر فى هذه الفترة الصعبة من تاريخ الأمة.

إن عشوائيات الفكر وفساد المال والسلطة وتراجع القيم والأخلاق تعوق طريق النهضة. وسوف نبقى على الحال الذى نحن عليه ما بقى كثير من المثقفين يعيشون فى ماضى التاريخ والأيديولوجيا والشخصانية. إن نزاهة الكلمة والذات قوى لا يستهان بهما.

تحتاج مصر اليوم إلى صناعة المستقبل، ونحن فى أمس الحاجة إلى عودة الضمير وعودة الروح. «إن أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل أن تصنعه». وعندما تكتمل ثورة الفكر فى المعرفة والثقافة والعمل السياسى ليس عندى أدنى شك أن مصر قادرة على بناء الثروة وصناعة المستقبل.

المصدر: صحيفة الشروق

Sunday, February 08, 2009

آدولف هتلر

(1889 - 1945)

رغم كل ما ارتكبه من شنائع ضد مختلف أجناس البشر ... ورغم وسائله الحقيرة والوضيعة مع معارضيه وخصومه ... ورغم العديد والعديد من جوانب اختلاف أى إنسان محترم معه ... إلا أن هتلر بقى شخصية تستحق المعرفة ولو اليسيرة عنها

تمهيد :

قد يكون آدولف هتلر اهم الشخصيات السياسية في القرن العشرين .. ومن المعروف ان وجود صورته على ظهر كتاب يزيد مبيعاته بنسسبة 20% . وقد وُلد كما يقص في مذكراته لاسرة متواضعة ، وعاش جل اعوام طفولته وشبابه الاول خارج المانيا. ثم عاد لوطنه الام وساهم في تاسيس الحزب النازي. وخلال عشرة اعوام ، بات قائداً للامة الالمانية.

في كفاحي، يقص هتلر حكاية صراعه في سبيل الوصول للفلسفة التي يؤمن بها اولاً ، ثم الكفاح في سبيل تحقيق ما يعتبره طموحات الشعب الالماني. نختار اولاً وصف هتلر لطفولته الباكرة وحياته الاسرية الباكرة ثم معاناته من الفقر المدقع في فيينا ، وصولاً الى آرائه التي لم يغيرها ابداً بشأن القضية اليهودية .

كفاحى

الفصل الاول : طفولتي

يبدو وكأن القدر تعمد اختيار براوناو موقعاً لاولد فيه : فتلك المدينة الصغيرة تقع على الحدود بين دولتين سعينا نحن الجيل الجديد لتوحيدهما بكل ما لدينا من قوة.

فلابد من عودة المانيا النمساوية للوطن الام ، وليس بسبب أي دوافع اقتصادية. بل وحتى ان الحق الاتحاد اضراراً اقتصادية، فلابد منه. دمائنا تطلب وطناً واحداً ، ولن تستطيع الامة الالمانية امتلاك الحق الاخلاقي لتحقيق سياسة استعمارية حتى تجمع اطفالها في وطن واحد. وفقط حين تشمل حدودنا آخر الماني، ولا نستطيع تامين رزقه، سنمتلك الحق الاخلاقي في احتلال اراض اخرى بسبب معاناة شعبنا. سيصير السيف اداة الحرث ، ومن دموع الحرب سينبت الخبز للاجيال القادمة. وهكذا يبدو لي ان هذه القرية الصغيرة كانت رمزاً للمسؤلية الغالية التي انيطت بي.

ولكن هنالك صورة بائسة اخرى تذكرنا تلك المدينة بها. فقبل مائة عام، كانت مسرحاً لكارثة ماساوية ستخلد في صفحات التاريخ الالماني. فحين انحطت الاوضاع الى اسوء حال ممكن تحت وطئة الاحتلال الفرنسي، استشهد جوهانا، بائع الكتب، في سبيل الوطن الذي احبه. وقد رفض التخلي عن شركائه وشجب الذين كانوا افضل منه في قدراتهم. وقد ابلغ احد ضباط الشرطة الالمان عنه الفرنسيين ، وبقى العار ملحقاً باسمه حتى الساعة.

في هذه المدينة الصغيرة، المضيئة ببريق الشهادة في سبيل الوطن، والتي حكمتها النمسا وان كان دم شعبها المانياً ، عاش والدي في آواخر الثمانينات من القرن الماضي: وبينما كان والدي موضفاً حكومياً، رعت امي افراد الاسرة. ولم بيق حالياً في ذاكرتي سوى القليل عن هذا المكان لاننا سرعان ما رحلنا منه لبلدة باسو في المانيا.

وخلال تلك الايام كان التنقل مصيراً محتوماً على الموظف. وهكذا انتقل والدي مرة ثالثة الى لينز، وهناك اخيراً تمت احالته على التعاقد. ولكن ذلك لم يعن له الراحة ابداً. فمنذ طفولته كان لا يطيق البقاء في المنزل بلا عمل، وهرب في سن الثالثة عشر الى فيينا وتعلم حرفة وحصل على التجربة والنجاح قبل سن السابعة عشر، ولكنه ما قنع بكل هذا ، بل ان معاناة الاعوام الاولى دفعت للسعي وراء مستقبل افضل . وهكذا بحث على وظيفة حكومية، وبعد عشرين عاماً من الصراع الدؤوب ، عثر عليها. وهكذا حقق قسمه القديم ، وهو الا يعود لقريتة الصغيرة الا بعد ان يكون قد كون نفسه.

حقق الرجل حلمه ، ولكن لا احد في القرية تذكر الطفل الذي هاجر ، بل وبدت له قريته غريبة تماماً ، وكانه يراها لاول مرة. واخيراً، وفي سن السادسة والخسين، بعد تقاعده، ما استطاع احتمال الفراغ، فاقتنى مزرعة وعمل في زراعتها كما فعل اجداده من قبل.

وخلال تلك الفترة تكونت داخلي بوادر الشخصية الاولية. اللعب في الحقول، المشي الى المدرسة، وخصوصاً الاختلاط مع اصدقائي العنيفين الذي اقلقت علاقاتي معهم والدتي، كل هذه جعلتني من النوع النشط الذي لا يرتاح للبقاء في المنزل. وبالرغم من عدم تفكري بالحرفة المستقبلية، ما كانت عواطفي ابداً تتجه نحو المسير الذي اتخذه والدي لنفسة. اؤمن باني حتى آنذاك تمتعت بقدرات بلاغية مميزة ظهرت في شكل حوارات عنيفة مع زملاء الدراسة. بل وبت زعيماً لمجموعة: ونجحت في المدرسة بالفعل ، ولكني كنت شديد المراس. اشتركت في النشاطات الكنائسية ، واسكرتني عظمة هذه المؤسسة العريقة. وبدا لي القس مثالاً لما ينبغي ان اكونه، كما بدا لوالدي من قبل. ولكن الاخير فشل في التعامل مع قدرات ابنه البلاغية وما استطاع تصور مستقبل ممكن له، بل واقلقه هذا الوضع كثيراً.

هذا الحلم الكنائسي تخلى عني سريعاً ، بعد ان عثرت على بعض الكتب العسكرية التي وصفت العارك بين فرنسا والمانيا عام 1870 - 71. عشقت هذه النصوص ، وصارت الصرعات البطولية النشاط الفكري والخيالي الاساسي لكياني. ومنذ ذلك الوقت صرت اعشق كل ما له علاقة بالجنود. ولكن الاسئلة الصعبة بدأت تفرض نفسها على فكري : هنل هناك فوارق - بين الالمان الذين خاضوا تلك المعارك والاخرين؟ ولماذا لم تشترك النمسا فيها؟ ولماذا لم يطلب من والدي الاشتراك؟ الا ننتمي جميعاً لذات الوطن؟ الا ننتمي سوية؟ بدأت هذه التساؤلات تشغل بالي لاول مرة. طرحت الاسئلة واجابوني بحذر قائلين ان الالمان غير المحظوظين لا ينتمون لذات الدولة التي اسسها بسمارك.

وكان هذا الوضع عسيراً على الفهم.

ثم قالوا لي ان الاوان قد حان للذهاب للمدرسة الثانوية.

اكد والدي انه يرغب في ان اذهب لمدرسة خاصة لاعداد الموظفين. فهو - بسبب تجاربه الحياتية - ما راى طائلاً وراء المدارس العادية. كانت رغبته هي ان اصير موظفاً حكومياً مثله ، بل وافضل لانني كنت ساتعلم من اخطائه واستفيد من تجاربه.

لانه تصور استحالة ان ارفض السير على دربه، كان قراره واضحاً ، مؤكداً. معاناة عمر طويل ومشاق الحياة وهبته طبيعة متعسفة. وبدا له من المستحيل ان يترك الامر لابنه غير المجرب ، الغير قادر على احتمال المسئوليات. بل وتصور انه سيكون مذنباً ان لم يستخدم سلطته لتحديد مستقبله، وراى ان هذه مسؤولية تحتمها عليه الوظيفة الابوية.

ومع ذلك سارت الامور بطريقة مغايرة: فقد رفضت الفكرة بشكل قاطع، وما كان عمري اكثر من احدى عشر سنة. ولم ينجح الترغيب او الترهيب كليهما في تغيير رايي. وكل مساعي والدي الذي قص علي قصصاً عن تجاربه في العمل ، راجياً ان اقنع به واحبه، ادت لنتائج عكسية. تثائبت واهناً اذ تصورت انني ساقضي العمر امام مكتب ، بدون ان يكون وقتي ملكاً لي، قاضياً حياتي في تحويل الدنيا الى فراغات يقوم احدهم بملأها في صورة طلب او وظيفة. واي افكار كان يمكن لمشهد كهذا ان يخلقه في نفس طفل طبيعي؟ الوظائف المدرسية كانت سهلة ، وامتلكت الوقت الحر لدرجة ان الشمس عرفتني اكثر من حيطان حجرتي. وحين يبحث اعدائي السياسيين في الماضي البعيد، ويعثرون على ما يؤكد ان هتلر كان طفلاً شقياً ، اشكر الله على انهم قد اعادوا لفكري ذكريات بعض تلك الايام السعيدة. الغابات والحقول باتوا حلبات الصراع التي قضيت فيها حياتي.

والمدرسة الجديدة لم تغير هذا الوضع.

وطالما كانت معارضتي الاساسية لفكرة والدي نظرية ، استطعنا التعايش سوياً. فقد احتفظت بارآئي الخاصة، وما خالفته بصوت مرتفع. ولكن - وفي سن الثانية عشر - بدأت اطمع في ان اصير رساماً. ومع ان والدي كان يشجع هذه الهواية، الا انه لم يتصور ابداً ان اسير في هذا الاتجاه.

-"رسام"؟

تشكك حتى في عقلي ، وربما تصور انه لم يفهم ما اعنيه. ولكن بعد ان فهم ، عارض الفكرة بكل ما في طبيعته من عناد. "رسام! فقط بعد موتي.” ولكنة اكتشف ان ابنه قد ورث منه ذات العناد. وهكذا بقي الحال زمناً طويلاً . وما كانت النتائج طيبة. فقد اصابت المرارة نفس الرجل الكبير، وما كان باستطاعتي الرضوخ له. وهكذا حين اكد استحالة دراستي للفن، قررت ايقاف الدراسة بشكل عملي، متصوراً انه حين سيرى فشلي الدراسي ، سيسمح لي بالسير في الاتجاه الذي اختاره. كانت نتائجي المدرسية آنذاك غير طبيعية: فكل ما له علاقة بالرسم جلبت فيه افضل النتائج، وفي الباقي اسوءها. ولكن انجازاتي كانت مميزة في حقلي الجغرافيا والتاريخ الالمانيين، لانني عشقت هاتين المادتين وكنت افضل التلاميذ فيهما.

وحين اتطلع لتلك المرحلة الان، بعد مرور السنوات الكثيرة، الاحظ حقيقتين هامتين: فاولاً ، صرت قومياً، وثانياً ، تعلمت معنى التأريخ. ففي دولة متعددة الاجناس كالنمسا ، كان من الصعب جداً ان يعرف الرء معنى الانتماء لالمانيا. فبعد العارك الفرنسية الالمانية، قل الاهتمام بالالمان في الخارج، ونساهم البعض تماماً. ومع ذلك، فلو لم يكن الدم الالماني طاهراً قوياً ، لما استطاع العشرة مليون الماني ترك بصمتهم واضحة جلية في دولة تتكون من اكثر من خمسين مليون نسمة، لدرجة ان الناس تصورت ان النمسا كانت دولة المانية مستقلة.

القليلون ادركوا قسوة الصراع الوحشي الذي خضناه للحفاظ على اللغة الالمانية، المدارس الالممانية، والاسلوب الخاص للحياة: اليوم فقط، حين يحلم الملايين من الالمان بالعودة للوطن الام، ساعين على الاقل للحفاظ على لغتهم القوية، يدرك جل الناس صعوبة هذا الصراع، وربما يقدر بعضهم اهمية هؤلاء الافراد الذين حموا الوطن من الهجمات من الشرق، وحاربوا من اجل ابقاء اللغة المشتركة حين ما اهتمت الحكوات الالمانية الا بالمستعمرات البعيدة ، متناسية معاناة الالمان في الجوار. وحتى الاطفال اشتركوا في الصراع القومي: اذ رفضنا ترتيد الاغاني غير الالمانية، وارتدينا الثياب التقليدية ، بالرغم من التهديد والعقوبات. فمنذ طفولتي لم يعني شعور “الوطنية” أي شيء لي، بينما عنت المشاعر القومية كل شيء.

وقد كانت دراسة التاريخ دافعاً قوياً لخلق الحس القومي، نظراً لعدم وجود تاريخ نمساوي مستقل. بل ان مصير هذه الدولة مرتبط بالممانيا لدرجة ان ظهور تاريخ نمساوي خاص يبدو مستحيلاً. فتقسيم المانيا لموقعين هو في حد ذاته جزء من التاريخ الالماني.

ضرورة توحيد الالمان والنمساويين كانت نتيجة حلماً بقي في قلوب الجماهير بسبب تذكرها للتاريخ الذي كان بئراً لا ينضب. وخاصة في اوقات النسيان ، سما التاريخ فوق الثراء المرحلي وهمس الماضي للشعب باحلام المستقبل.

تعليم التاريخ في ما يسمى المدارس الثانوية لا يزال حتى اليوم في حال يرثى لها. والقلة من الاساتذة تفهم ان الهدف من دراسته ليس حفظ ارقام او تواريخ، مثل يوم معركة، او ساعة ميلاد زعيم، او حتى حين وصول ملك للسلطة. فمعرفة التاريخ تعني معرفة القوى التي تسبب النتائج المسماة احداثاً تاريخية.

والمعرفة هي : القدرة على تذكر الاساسي ، ونسيان كل ما هو غير ضروري.

وقد يكون احد اهم اسباب تشكيل شخصيتي الحالية دراستي للتاريخ مع احد القلة الذين عرفوا هذه القواعد وراعوها في التدريس، الاستاذ ليوبلد بوتش. فقد كان ذلك الرجل العجوز خيراً متقناً لمادته، وتمتع ايضاً بقدرة بلاغية مميزة سحرت اللب وجعلتنا، ونحن نستمع لبعض قصصه، ننسى الحاضر، وكانه ساحر ياخذنا لعصور ماضية، عبر ضباب عشرات السنين، صانعاً من الاحداث التاريخية واقعاً معاشاً. وقد كنا من المحظو ظبن جداً لان هذا المدرس عرف كيف ينير الماضي بامثلة من الحاضر، وكيف يجلب من الماضي وقائع تلقي الضوء على الحاضر. ونتيجة لهذه القدرة فهم اكثر من غيره المصاعب التي نعانيها، واستغل مشاعرنا القومية لتقويمنا، مستنشداً باحساسنا بالشرف للانتماء للوطن. وبهذه الطريقة نجح في تهذيبنا بشكل افضل من أي اسلوب آخر.

هذا المدرس جعلني عاشقاً للتاريخ. وهكذا بت ثورياً بدون ان يسعى هو متعمداً لذلك. فمن يستطيع دراسة التاريخ الالماني مع استاذ كهذا بدون ان يكره الدولة التي كادت تدمر مصير الامة؟

الم نعرف ان النمسا ما حملت للالمان سوى البغضاء؟ الم نشاهد افعالهم كل يوم؟ في الشمال والجنوب كان سم الدول الاخرى يدمر جسد وطننا ، وحتى فيينا تم تحويلها لمدينة لا المانية. فقد حاولت الاسرة الحاكمة جلب سكان البلاد الاخرى، وخصوصاً التشيك، بقدر الاستطاعة، وكان مقتل السيد فرانسز فوردناد، عدو الالمان الاول، على ايديهم دلالة على عدالة الرب الازلي.

كانت الاثقال التي ناء بحملها الشعب الالماني هائلة ، اذ دفعوا المال والدم ، وبلا فائدة . ولكن ما اغضبني ادعاء ان كل هذا نتج عن علاقات متميزة بين المانيا والنمسا، تنج عنها ان الشعب الالماني تم تديره بموافقة من الحكومة الالمانية ذاتها . وكانت نتيجة هذا النفاق هو ازدياد الكرهية للحكومة الالمانية لدرجة الازدراء. ولكن حكام المانيا ما فقهوا كل هذا ، ومثل رجل اعمى، عاشوا بجوار الجثة متصورين في سكون الموت ماعة ميلاد حياة جديدة. وهذا التصور الخاطيء ادى للحرب العالمية الاولى والدمار الناتج عنها.

ادركت في هذه الفترة ان الامة الالمانية ستبقى فقط لو تم تدمير النمسا، وما هو اهم ، ان الحس القومي يتعارض كلية مع مشاعر التبجيل للملك. عرفت ان هذه الاسرة الحاكمة لا هدف لها سوى اخماد نار الامة الالمانية. ومع ذلك احببت النمسا كجزء من الوطن الام.

طبع التفكير التاريخي الذي تعلمته خلال هذه الايام ما هجرني ابداً بعد ذلك. بات التاريخ العالمي مورداً لا ينضب عرفت عن طريقه مغزى الاحداث المعاصرة. وهكذا تحولت باكراً الى سياسي ثائر.

ما كان المسرح سيئاً في شمال النمسا. فقد شاهدت المسرحيات المحتلفة في سن الثانية عشر ، وبعض اعمال الاوبرا كذلك.

كل هذه العوامل دفعتني لرفض العمل الذي اراد والدي اعدادي له . ايقنت انني لن استطيع الوصول للراحة النفسية في أي وظيفة حكومية. ساكون رساماً، ولن تقدر أي قوة في العالم على جعلي موظفاً.

ومع ذلك ، تحولت مع مرور الاعوام الى حب المعمار اكثر من الرسم.

وعلى كل حال ، فقد تدخل القدر، واصيب والدي بالجلطة، وانتهت رحلته الدنيوية، وتركنا جميعاً في حالة من الحزن العميق. لقد كان طموحه الاخير مساعدة ابنه حتى لا يعاني كما عانى ويكرر ذات الاخطاء. وان لم ينجح الا ان البذور التي زرعها لعبت دورها في خلق مستقبل لم يستطع هو - ولا انا- ادراكه آنذاك.

وقد رغبت امي في ان استمر في الدراسة كما اراد والدي. ثم اصبت بمرض ساعدني على التغلب على هذا الصراع المنزلي. اذ اكد الطبيب انني لا استطيع البقاء في مكتب ، والح على ابتعادي عن المدرسة لعام كامل. وهكذا حققت لي الاقدار الهدف الذي سعيت له.

وافقت امي مكرهة اخيراً على ان ادرس في المعهد الفني. كانت اسعد ايام العمر امامي - الا انها بقت احلاماً لان والدتي توفيت بعد وفاة والدي بعامين نتيجة لمرض قاتل اصابها على حين غرة. احترمت والدي، ولكنني احببت امي، وقد احزنني رحيلها كثيراً.

وهكذا وجدت نفسي مضطراً لاتخاذ قرارات صعبة. الاموال القليلة المتبقية كانت قد اُنفقت في علاج امي، وما قدمته الحكومة للايتام ما كان كافياً حتى لشظف العيش . وهكذا كان امامي مسؤولية الاستقلال الاقتصادي.

وضعت ثيابي القليلة في حقيبة ، وفي قلبي ارادة جديدة، واتجهت الى فيينا. مثل والدي، قررت ان انتزع من القدر مصيراً ميزاً ، وان اكون شيئاً خاصاً ، أي شيء ، باستثناء موظف حكومي.

الفصل الثاني: اعوام الدراسة والمعاناة في فيينا . . .

حين ماتت والدتي ، حدد القدر اجزاء كثيرة من مصيري المستقبلي .

خلال الشهور الاخيرة من مرضها ، ذهبت الى فيينا لاجتياز الاختيار المبدأي لدخول المعهد الفني. كنت قد اعددت بعض اللوحات ، متاكداً من ان الامتحان سيكون في غاية السهولة . فقد كنت الافضل في الفصل في مجال الرسم دائماً ، ومنذ ذلك الوقت ، تقدمت قدراتي بسرعة، فاصابني الغرور .

ومع ذلك، شعرت بالمرارة لان قدراتي على الرسم الهندسي فاقت بكثير قدراتي كرسام. وكل يوم كان ولعي بالفنون المعمارية يتزايد - خصوصاً بعد رحلة لمدة اسبوعين قضيتها في فيينا في سن السادسة عشر. وقد كان هدف تلك المرحلة هو دراسة متحف الفن، وان وجدت نظراتي تتطلع اكثر لهيكل المتحف. فمنذ الصباح الباكر وحتى المساء، تجولت في الاروقة متابعاً كل ما يشغف فكري، وان كان جل اهتامي قد انصب على المتحف ذاته. لساعات وقفت اما مبنى الاوبرا، وبدا لي المكان ساحراً مثل قصور الف ليلة وليلة.

والان كنت في المدينة الخلابة للمرة الثانية، منتظراً على احر من الجمر نتائج الامتحان. كنت متاكداً من النجاح لدرجة ان سقوطي اصابني بذهول مطبق. وجين تحادثت مع المسؤول، وطلبت منه التوضيح، اكد لي ان اللوحات التي قدمتها تشير الى عدم توافر الموهبة المطلوبة للرسم لدي، وان اكد ان مجال الرسم الهندسي هو الملائم لي ولم يصدق انني لم ادرسه البتة. مكتئباً تركت البنى، لاول مرة في حياتي غير عارف بما يجدر بي فعله.

عرفت الان انه لابد لي ن دراسة الهندسة . وكان الطريق صعباً: فكل مارفضت دراسته خلال صراعي مع والدي بات ضرورياً. ما كان ممكناً دخول كلية الهندسة بدون الشهادة الثانوية. وهكذا بدا ان حلمي الفني لن يتحقق ابداً.

حين عدت لفيينا مرة تالثة، بعد وفاة والدتي، كان الطموح والعناد قد عادا لي. قررت ان اصير مخططاً هندسياً ، وكل الصعاب كانت التحدي الذي لابد لي من اجتيازه. كنت مصمماً على مواجهة العقبات، وامامي صورة ابي، الذي بدأ حياته مصلحاً للاحذية ، وصعد بجهوده الخاصة الى موقع حكومي جيد. توفرت لدي امكانيات اكثر، وهكذا بدا ان الصراع سيكون اسهل، وما بدا لي آنذك سوء الحظ، امتدح اليوم كمساعدة القدر الحكيم. فبينما ازدادت معاناتي اليومية، ازدادت ارادة المقاومة داخل ذاتي وفي نهاية المطاف تفوقت على غيرها من العوامل . تعلمت خلال تلك الايام الشدة ، وتحولت من طفل مدلل الى رجل قُذف به الى قلب المعاناة والفقر المدقع. ومن ثم تعرفت على اولئك الذين سادافع عنهم في ايام مستقبلية.

خلال تلك المرحلة ادركت وجود خطرين مدقعين يحيطان بالشعب الالماني، وهما اليهودية والشيوعية. ولا تزال فيينا، التي يتصورها الكثيرني مدينة اللذات البريئة، تجلب لذهني اسوء صور المعاناة الانسانية التي عرفتها لمدة خمسة اعوام اضطررت خلالها للعمل ، اولاً كمستاجر يومي، ثم كرسام.

ما جلبته من مال ما كفى حتى لاشباع الجوع اليومي. كان الجوع صديقاً لي آنذاك، وما تركني للحظة، بل شاركني في كل شيء. كل كتاب اقتنيته ، وكل مسرحية شاهدتها، جعلته اقرب الي. ومع ذلك، درست خلال تلك الايام اكثر من أي فترة اخرى. باستثناء زياراتي النادرة للاوبرا التي دفعت ثمنها جوعاً ، ما كان لدي أي لذة سوى القراءة. وهكذا خلال تلك الفترة قرات كثيراً وبعمق. كل وقت الفراغ المتاح لي بعد العمل قضيته في القراءة، وبهذه الطريقة جمعت خلال بضع اعوام المعارف التي تغنيني حتى الساعة .

خلال تلك الاعوام، تكونت في ذهني صورة للعالم تبقى القاعدة التي استخدمها في كل قرار اتخذه ، وكل تصرف اقوم به. وانا اليوم مقتنع بان كل سلوكياتنا تنبع من آراء تنتج اثناء شبابنا. فحكمة النضوج تحوي الاراء الخلاقة التي ينتجها الفكر الشاب ولا يمكن تطويرها آنذاك، مضافاً لها الحذر الذي يتعلمه الانسان بالتجربة. وهذه العبقرية الشبابية ستكون الاداة الاساسية لخطط المستقبل، التي سيمكن تحقيقها فقط لو لم تدمرها تماماً حكمة النضج.

كانت طفولتي مريحة، بلا قلق يذكر. كنت انتظر مجيء الصباح، بلا أي معاناة اجتماعية. فقد انتميت لطبقة الراسمالية الصغيرة ، وكنت لهذا السبب بعيداً عن الطبقات العاملة. وبالرغم من ان الفرق الاقتصادي بين الطبقتين كان محدوداً ، الا ان الفاصل بينهما كان شاسعاً . وقد يكون سبب العداء بين الطبقتين هو ان الموظف، الذي ما استطاع الا بصعوبة ترك الطبقات العاملة ، يخشى من العودة الى تلك الطبقة المحتقرة، او على الاقل ان يتصوره الناس جزءاً منها. هناك ايضاً الذكريات المخيفة للفقر، وانعدام المعايير الاخلاقية بين الطبقات المنحطة، وهكذا يخشى الراسمالي الصغير أي اتصال مع هذه الطبقة. وهذا الصراع عادة يدمر كل شعور بالرحمة. فصراعنا للبقاء يدر عواطفنا لاولئك الذين تخلفوا ورائنا.

اشكر القدر الذي اجبرني على العودة لعالم الفقر والخوف، لان التجربة ازاحت عن عيوني غشاء نتج عن تربية الرأسمالية الصغيرة. عرفت الان معاناة الانسانية ، وتعلمت التفرقة بين المظاهر الفارغة والكائن الموجود في داخلها.

كانت فيينا التي شاهدتها احدى اكثر مدن اوربا تخلفاً. الثراء الفاحش والفقر المدقع تجاورا. في مركز المدينة وحاراتها شعرت بنبض 52 مليوناً . اما المحكمة الفخمة والمناطق المجاورة لها، وخصوصاً المباني الحكومية،

فجذبت لها الذكاء والثراء. وهذه المناطق كانت كل ما يوحد الشعوب المختلفة الموجودة في هذه الدولة. فالمدينة كانت العاصمة الثقافية والسياسية والاقتصادية. مجموعة مديرى الشركات العامة والخاصة، موظفي الحكومة، الفنانين، والمدرسين والمثقفين، عاشت في مواقع قريبة بجوار الفقراء، وواجهت جيوشاً من العمال كل يوم. خارج القصور المعروفة تشرد الاف من العاطلين، وفي ظلال اسوارها رقد من لا يملكون مسكناً.

معرفة هذه الوضاع المزرية ودراستها لن يتم من مواقع عالية : لا احد ممن لم يسقطوا في اشداق هذه المعاناة يمكن له ان يفهم الآمها. ومن حاولوا دراستها من الخارج غرقوا في لغو الحديث والعاطفة ، وانا لا ادري ان كان تجاهل الاغنياء للفقير اكثر ضرراً من افعال اولئك الذين يدعون الشفقة عليه بتكبر وغرور. والنتيجة دائماً سلبية على كل حال، بينما تزداد الوضاع سوءاً. ولا يجدر بالفقير ان يرضى بصدقة بدلاً من ان تعاد له بعض حقوقه.

لم اعرف الفقر من بعيد: بل ذقت طعم الجوع والحرمان، ولم ادرسه بطريقة موضوعية، بل خبرته داخل روحي. وكل ما استطيع فعله الان هو وصف المشاعر الاساسية، وذكر بعض ما تعلمته من هذه التجارب.

لم يكن العثور على وظيفة صعباً ، نظراً لافتقاري للتجربة. وهكذا اضطررت للعمل كمساعد عامل او كعامل باجر يومي. حلمت بالهجرة الى امريكا. تحررت من الافكار القديمة عن الحرفة والمركز، المجتمع والتراث، وسعيت وراء أي فرصة متاحة، وتقبلت أي عمل، مدركاً ان أي عمل شريف لا يجلب العار لصاحبه. عرفت بسرعة ان العمل متوفر ويمكن الحصول عليه بسهولة، ولكن يمكن ايضاً بسهولة ان يفقده المرء. بدا لي ان عدم ضمان الوصول لرغيف العيش كل يوم كان اسوء ما عانيته.

العامل المدرب لا يجد نفسه في الشارع بيسر مثل العامل غير المحترف، الا انه قد يواجه ذات المصير ايضاً. ولذلك ترى العمال يضربون عن العمل: مما يؤدي للاضرار باقتصاد المجتمع ككل.

ذلك الفلاح الذي يهاجر الى المدينة، متخيلاً سهولة العمل، وقلة ساعاته، والاضواء الكهربائية الملونة، كان قد اعتاد على نوع من الضمان بخصوص لقمة العيش. ففي القرية، لن يترك عمله الا اذا ضمن لنفسه عملاً افضل منه. ونظراً لوجود حاجة دائمة للايدي العاملة في الفلاحة، تبقى امكانيات البطالة محدودة. ومن الخطأ تصور ان الفلاح الذي يهاجر للمدينة اكثر كسلاً من ذلك الذي يبقى في عقر داره. العكس هو الصحيح: فالمهاجر عادة يكون الاكثر صحة ونشاطاً. ولذلك لا يخاف من مواجهة الصعاب. هو يصل ايضاً للمدينة ومعه مدخراته. ولذلك لا يخاف ان لا يصل للوظيفة المرغوبة من اول يوم. ولكن الامور تزداد سوءاً ان عثر على وظيفة ثم فقدها. فالعثور على غيرها، خصوصاً في فصل الشتاء، سيكون شاقاً بل ومستحيلاً . ومع ذلك، سيعيش وستعاونه الفوائد الحكومية للعاطلين. ولكن، حين تنضب هذه الموارد مع مرور الوقت، ستبدأ المعاناة الحقيقية. سيتشرد الفتى الجائع في الشوارع، وسيبيع او يرهن ما يملك، وستسوء حال ثيابه، وينحط الى مستوى مادي وروحي في غاية التعاسة. فتتسمم روحه. وان فقد سكنه في الشتاء، وهو مايحدث كثيراً ، فستكون معاناته فظيعة. وفي نهاية المطاف، سيعثر على وظيفة اخرى، ثم تتكرر ذات القصة مرة ثانية وثالثة، وشيئاً فشيئاً يتعلم عدم الميالاة، ويصير التكرار عادة. وهكذا يتحول هذا الرجل النشيط سابقاً الى كسول يستخدمه الاخرين لمصالحهم. وقد عاش حياة البطالة لوقت طويل بدون ذنب حتى ما عاد بهمه طبيعة العمل الذي يقوم به، حتى ان كان هدفه تدمير القيم السياسية الثقافية الاجتماعية. وحتى ان لم تعجبه فكرة الاضراب، فلن يبالي بها. وقد شاهدت الاف القصص المشابهة للتي اقصها. وكلما شاهدت المزيد ، ازدادت كراهيتي للمدينة الكبيرة التي تمتص دماء الرجال وتدمرهم.

فحين جاءوا فراداً، انتمى كل منه للمجتمع، وبعد اعوام، ما انتموا لاي شيء.

وانا ايضاً عانيت وعثاء حياة المدينة: شعر جسدي بصعابها وامتصت روحي معاناتها. وقد شاهدت ايضاً ان التنقل السريع بين العمل والبطالة، وما ينتج عنه من تقلب اقتصادي، يدمر شعور الفرد باهمية الاقتصاد. بدا ان الجسد يعتاد على التبذير حين يتوفر المال، ويستحمل الجوع حين انعدامه. وبصراحة، ان الجوع يقضي على أي ارادة تسعى للتنظيم الاقتصادي حين يتوافر المال لانه يضع امام ضحيته المعذبة سراب الحياة السعيدة لدرجة ان الرغبات المريضة ستدمر أي قدرة على التحكم ساعة الوصول لاي موارد. وهكذا حين يصل الرجل للمال ينسى كل افكار تتعلق بالنظام والترتيب، ويعيش حياة البذخ ويسعى وراء اللذات الانية. وغالباً ما سيكون لهذا العامل زوجة واطفال وسيعتادون جميعاً على التبذير ثلاث ليال من الاسبوع، والجوع باقيه. وفي ساعات الظهيرة سيجلسون سوياً امام الصحون شبه الفارغة، منتظرين يوم وصول المرتب، متحدثين عنه، حالمين طوال ساعات الجوع بلذات التبذير.

وهكذا يعتاد الاطفال منذ طفولتهم على هذه الاوضاع السيئة.

وقد شاهدت هذه الاوضاع مئات المرات وتقززت منها اولاً، ثم فهمت حقيقة الماساة التي يعيشها هؤلاء الناس الذين باتوا ضحايا لظروف اجتماعية سيئة. وما كان اكثر بؤساً هو اوضاع السكن السيئة . بل انني اشعر بالغضب حتى هذه الساعة حين اتذكر الغرف الصغيرة والاكواخ الخشبية المحاطة بالقاذورات والاوساخ من كل جانب. وقد خشيت ذلك اليوم المرعب، حين سيخرج هؤلاء العبيد من اقفاصهم للانتقام من قسوة البشرية عليهم.

والمسؤولون والاثرياء يتركون الامور تسير على مجاريها: وبدون أي تفكير يفشلون حتى في الشك بان القدر يخطط للانتقام من هذا الجور. اما انا فعرفت ان تحسين هذه الاوضاع ممكن بطريقتين: فلابد من وجود احساس عميق بالمسؤولية لخلق اسس افضل للتقدم ، ومعه ارادة وحشية تدمر كل ما سيقف في طريقها ويعوق تقدمها. وكما لا تركز الطبيعة جهودها في الحفاظ على ما هو موجود، بل تسعى لخلق اجيال ستقبلية افضل، سيكون من الضروري صناعة قنوات جديدة اكثر صحية منذ البداية.

تجاربي المختلفة في فينا علمتني ان المشاريع الخيرية غير مفيدة ، والمطلوب تدمير الفوضى الاقتصادية التي تؤدي الى انحطاط الافراد الخلقي. بل ان عدم قدرتنا على استخدام الوحشية في الحرب ضد المجرمين الذين يهددون المجتمع سببها هو عدم تاكدنا من برائتنا التامة من الاسباب النفسية والاجتماعية لهذه الظواهر. شعورنا الجمعي بالذنب تجاه مآسي الانحطاط الاخلاقي يشل قدرتنا على اتخاذ اقل الخطوات قسوة في الدفاع عن مجتمعاتنا. وفقط حين نتحرر من سلطة عقدة الذنب هذه سنقدر على الوصول للقوة والوحشية والضروريين لتدمير الاعشاب الضارة والافكار المارقة.

وبما ان النمسا كانت عملياً بلا قانون اجتماعي صالح، لم تكن الدولة قادرة على التعامل مع هذه الامراض البتة.

ولا اعرف حتى الساعة ما ارعبني اكثر: هل كان سوء الاوضاع الاقتصادية لمن عرفت، ام انحطاطه الخلقي، ام الضعف الفكري؟

تصور مثلاً هذا المشهد: في شقة تتكون من حجرتين سكنت اسرة عامل تتكون من سبع اشخاص. بين الاطفال الخمسة، كان هناك طفل في الثالثة، وهو السن الذي تتكون خلاله انطباعات الفرد الاولى. هناك بعض الموهوبين الذين يتذكرون هذه الانطباعات حتى ارذل العمر. مجرد ضيق الشقة وازدحامها لا يؤدي لخلق ضروف صحية ونفسية ملائمة للنمو. قد تحدث مثلاً خلافات بسيطة بين افراد كل اسرة، وعادة يذهبون كل الى حجرة مختلفة، وينتهي الامر. اما في شقة صغيرة، فكل سيرى نفسه في مواجهة الاخرين طوال الوقت. بين الاطفال، الخلاف شيء طبيعي، وهم ينسون اسبابه بسرعة. ولكن ان شاهد الاطفال الابوين في حال خصام دائم، تستخدم خلاله الالفاظ النابية، وربما العنف، فستكون النتائج سلبية. سيتصور الطفل العالم بطريقة تخيف من يقدر على تصورها. فقد تم تسميممه اخلاقياً، وما تغذى جسده كما ينبغي. ومن ثم يذهب هذا المواطن الصغير الى المدرسة. بعد صراع مضن، قد يتعلم القراءة والكتابة، اما الواجب المنزلي، فانجازه مستحيل. بل ان والديه سيقذعان المدرسة بابشع الالفاظ. كل ما سيسمعه الطفل لن يعلمه احترام مجتمعه. سيكره المدرسين وكل انواع السلطة. وحين يُطرد من المدرسة بعد ذلك، سيلاحظ الناس غبائه، وجهله ، وكذلك سوء اخلاقه. أي موقع سيستطيع هذا الشاب االيافع لوصول اليه في ظروف مثل هذه؟ كل ما لديه هو كراهية المجتمع والبشرية. وبعد هذا، في سن الخامسة عشر، سيبدأ ذات الحياة التي عاشها والده، فيذهب للخانات، ويعود متاخراً لمنزله، وينتهي به الامر في السجن.

وكم من مرة غضب الرأسمالي اذ سمع العامل الفقير يقول انه لا يهتم سواء اكان المانياً ام لا، ما دام يجد الغذاء والكساء: فقدان الشعور القومي بهذه الطريقة فظيع. كم من الالمان في عصرنا يشعرون بالفخر ان تذكروا انجازات امتهم الثقافية والفنية؟ وهل يدرك المسؤولين ان الشعور بالفخر والعزة الوطنية لا يصل الا لقلة من افراد الشعب.

لذلك لا بد من تحسين الاوضاع المعيشية ومن ان يركز التعليم على قيم اساسية تتفشى في اذهان الناس عبر التكرار.

ولكن المانيا، بدلاً من الدفاع عن القيم القليلة الموجودة، تسعى لتدميرها. والفئران التي تبث سمومها في القلب والذاكرة تنجح في الوصول لغاياتها، بمساعدة الفقر والمعاناة: يوماً بعد يوم، في المسارح ودور السينما، نرى السم يُقذف على الجماهير، ثم يتحير الاثرياء عن اسباب انحطاط القيم الاخلاقية للفقراء، وانعدام الشعور الوطني بينهم.

قضية خلق الشعور الوطني اذاً تعتمد على توفير ظروف ملائمة لتعليم الافراد لان اولئك الذين يتعلمون عن طريق الاسرة والمدرسة فقط هم الذين سيستطيعون تقدير الانجازات الثقافية والاقتصادية والسياسية لوطنهم لدرحة الانتماء لذلك الوطن. استطيع ان احارب فقط من اجل ما احب، واحب فقط ما احترمه، واحترم على الاقل ما اعرفه.

ومع ازدياد اهتمامي بالقضايا الاجتماعية ، بدات اقرء المزيد عنها ، وفتح عالم جديد ابوابه لي.

خلال الاعوام 1900 -1910 تغيرت اوضاعي لانني ما عدت اعمل كعامل ، بل بدات العمل كخطاط وراسم بالالوان المائية. ومع ان المال ما كان كافياً ، الا انه كفى لتحقيق طموحي آنذاك. اذ استطعت الرجوع للمنزل وانا قادر على القراءة بدون ان يدفعني التعب من عمل اليوم للنوم فوراً. بات بعض وقتي ملكاً لي.

تصور الكثيرون انني غير طبيعي : ولكنني تابعت ما اعشق، الموسيقى والعمران. كنت اجد في الرسم والقراءة كل اللذات وسهرت كثيراً حتى الصباح مع لوحة او كتاب. وهكذا كبرت طموحاتي، وحلمت بان المستقبل سيحقق امالي، وان بعد حين. كذلك تابعت قضايا السياسة وقرات المزيد عنها لانني ارى ان التفكير في شؤونها وظيفة تقع على عاتق كل مواطن يفكر. وبدون معرفة شيء عن طبيعتها لا يحق للفرد النقد او الشكوى.

ما اعنيه بالقراءة يختلف عا يقوله دعاة الثقافة في عصرنا. فقد عرفت رجالاً قراوا كثيراً ، ولكنه ما كانوا مثتقفين. نعم، هم عرفوا الكثير من المعلومات، ولكنهم ا استطاعوا تسجيلها وتنظيمها. وهكذا افتقدوا فن تمحيص القيم من الغث، والتحرر مما كان بلا فائدة، والاحتفاط بالمفيد معهم طول العمر. فالقراءة ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الغايات. وظيفتها الاساسية هي ملأ الفراغ المحيط بالمواهب والقدرات الطبيعية للافراد. المفروض هو ان نقدم للفرد المعدات التي يحتاجها لعمله الحياتي بغض النظر عن طبيعة هذا العمل. كذلك، يجدر بالقراءة ان تقدم رؤية معينة للوجود. وفي كلا الحالين، الضروري هو الا تتحول محتويات الكتاب الى الذاكرة بجوار كتب لاحقة، بل ان توضع العلومة المفيدة بجوار غيرها لتوضيح الرؤية الاساسية في فكر القاريء. وان لم يحدث هذا، ستتجمع المعلومات بشكل فوضوي في الذهن، بلا قيمة سوى خلق الكبرياء. فالقاريء من هذا النوع سيتصور انه قد عرف المزيد ، وان كان في الواقع يبتعد اكثر فاكثر عن الواقع حتى ينتهي المطاف به في مستشفى المجانين.. او مجلس الشعب، وهو ما يحدث كثيرا. وهو لن يستطيع اذاً الاستفادة مما قراه.

اما القاريء الناجح، فيستطيع بسرعة ادراك ما سيستفيد منه وترك الباقي. المعلومة المفيدة ستصحح الاخطاء، وتوضح الصورة الكلية. ثم، حين تضع الحياة سؤالاً امام القاريء، ستعرف ذاكرته كيف تجلب الاجزاء المطلوبة للاجابة، وتقدمها للعقل حتى يختبرها ويتحقق بشانها، حتى تتم الاجابة على السؤال. وهذه هي القراءة المفيدة. ومنذ صباي حاولت القرائة بهذا الاسلوب، وفي هذا المسعى عاونني الذكاء والذاكرة. اما تجارب الحياة اليومية فقد دفعتني لقراءة المزيد والتفكر بشانه. وفي هذا السعى عاونني الذكاء والتجارب. وهكذا وجدتني اخيراً قادراً على الربط بين النظرية والواقع ، وعلى اختبار النظرية في ظل الواقع، ونجوت بهذه الطريقة من الكبت الذي تخلقه النظرية لمن لا يعرف سواها، ومن التفاهة التي يحياها من لا يعرف سوى الواقع اليومي المعاش.

خلال تلك المرحلة دفعتني تجارب الحياة الى دراسة سؤالين آخرين، كانت الماركسية احدها. فما عرفته عن الفكر الديمقراطي كان قليلاً وغير دقيق. آنذاك، اسعدتني فكرة الصراع من اجل حقوق الانتخاب. فحتى في ذلك الزمن الباكر، ادركت بان هذا سيضعف من سطوة السلطة الجائرة في المنسا. وكلما زادت اللغات المستخدمة في مجلس الشعب النمساوي الذي بات مثل - بابل - بدا تشتت تلك الدولة الحتمي وشيكاً ، ومعه ساعة تحرر الشعب الالماني.

نتيجة لكل هذا، لم اتضايق من حركات الديمقراطية الاجتماعية. بل ان ادعائاتها بمساعدة الطبقات الفقيرة بدت لي من العوامل التي وقفت في صفها. ولكني رفضت في هذه الحركات عدائها لكل محاولات المحافظة على الشخصية الالمانية، ومغازلتها "للرفاق السلاف"، الذين ما تقبلوا من افكارها الا ما سيستفيدوا منه، وتركوا الباقي باحتقار تام.

حدث لقائي الاول مع هذه الحركات خلال عملي كعامل بناء.

وكانت التجربة سيئة منذ البداية: كانت ثيابي نظيفة، ولغتي جيدة، وسلوكي حذراً. كنت لا ازال اسعى وراء مصيري لدرجة تجاهل الناس حولي. بحثت عن العمل فقط خوفاً من الجوع، وللاستمرار في الدراسة. ربما ما كانت القضية ستهمني البتة لو لم يطلبوا مني في اليوم لرابع الانضمام لتجمعهم. ونظراً لجهلي بالموضوع، رفضت موضحاً انني لا اعرف ما يكفي عنهم للانضمام اليهم. ربما لهذا السبب لم يعادونني ، بل ورغبوا في اقناعي بالانضمام الى صفوفهم. ولكنني خلال الاسبوعين القادمين عرفت افكارهم جيداً، وما عاد باستطاعتي البتة الانضمام لمجموعة بغضتها.

ساعة الظهيرة حين كنا نتناول الطعام في الحانة: كنت اشرب الحليب وآكل الخبر في زاوية متطلعاً لهم بحذر او متاملاً حظي السيء. وهكذا استمعت لهم، بل انهم جاءوا بجواري حتى استمع واتخذ موقفاً. وما كان امامي منفذ آخر لان ارائهم اغضبتني جداً: قالوا ان الحس الوطني نتج عن اعلام الطبقات الراسمالية، وانه عبارة عن سلاح يستخدمه الاثرياء لاستغلال العمال، والمدرسة ليست سوى مؤسسة لانتاج العبيد واسيادهم، اما الدين فادعوا انه اسلوب لتخدير الشعوب حتى تسهل السيطرة عليهم، والاخلاق ليست سوى دلالة على الغباء. ما كان هناك ما لم يلقونه في الوحل. في البداية لذت بالصمت، ولكنني سرعان ما بدأت باتخاذ مواقف فكرية مخالفة، وقرأت فكرهم وناقشتهم بشانه. واستمر النقاش حتى قرروا استخدام سلاح يقهر العقل بسهولة: وهو البطش والارهاب. وهكذا طلبوا مني الذهاب وهددوني بانهم سيلقونني في لخارج ان رفضت. وهكذا خسرت عملي، وفي نفسي سؤال مرير: هل هؤلاء فعلاً بشر؟ وهل يستحقون شرف الانتماء لامة عظيمة؟ وكان السؤال صعباً. وان كانت اجابته بالايجاب، فان الصراع في سبيل القومية لن يستحق التضحية والمعاناة، اما ان كانت الاجابة بالنفي، فان امتي ستفتقر بالفعل للانسان.

ومن المؤكد ان ملايين العمال بدأوا برفض الحركات اليسارية ، ولكن الراسماليين ذاتهم دفعوهم لاحضانها بطريقة مجنونة: اذ ان الاثرياء رفضوا كل محاولات تحسين اوضاع العمال، سواء اكان الهدف تحسين الاوضاع الصحية في المصانع عبر تطوير الالات، او منع عمالة الاطفال، او حماية المرأة الفقيرة اثناء فترة الحمل. وقد كان رفض هذه الافكار مخزياً بالفعل، ودفع العمال لاحضان اليسار. ولن تستطيع الراسمالية ابداً التحرر من اضرار رفضها للاصلاح الذي بذر الكراهية بين الغني والفقير ودفع بالعمال الى الاحزاب اليسارية.

خلال تلك الفترة، رفضت ايضاً اتحادات العال، وان كنت خاطئاً في هذا الاتجاه. ففي سن العشرين عرفت ان الاتحاد العمالي سعى للدفاع عن الحقوق الاجتماعية لهذه الطبقة، وان هدفه الاساسي كان تحسين اوضاعها الاجتماعية. فالعامل لا يستطيع ان ما رضي بعمله، استبداله بآخر. فاما ان يكون تحسين الاوضاع الاجتماعية في مصلحة المجتمع او لا يكون. وان كان ، فلابد من الصراع لتحسين هذه الاوضاع. ولكن العامل لا يقدر وحيداً على مواجهة قوة الراسمالي الثري. ولذلك كانت الاتحادات ضرورية . ولكنها منذ بدايات القرن العشرين بدات تفقد دورها الاجتماعي الاساسي ، ومع مرور الاعوام تحولت الى سلاح تستخدمه الاحزاب الشيوعية في صراعها الطبقي. وهكذا بات هدفها تدمير اقتصاد المجتمع، وتغييره، بدلاً من اصلاح الاوضاع السيئة - التي كان اصلاحها خطراً اذ انه قد يقنع العمال بتقبل اوضاعهم، ولا يسمح للشيوعيين باستغلالهم بذات الطريقة البشعة. تطلع زعماء الاتحادات بخوف لامكانيات الاصلاح لدرجة انهم رفضوا أي محاولة للتغيير للافضل، وهاجموها يقسوة شديدة. ثم تقدموا بطلبات مستحيلة ما كان للراسماليين بد من رفضها، ثم ادعوا ان هناك مؤامرة لتدمير العمال واستغلالهم. ونظراً لضعف قدرات هذه الطبقة الفكرية، ما كان النجاح صعباً.

وهكذا عرفت طبيعة العلاقة بين هذه العقيدة المدمرة والطبائع الحقيقية لاناس ما عرفت بعد أي شيء عنهم. وقد كانت معرفتي باليهود فقط هي ما اوضح لي الطبيعة الحقيقية الخفية لنشاطات اتحادات العمال، الديمقراطية ظاهراً، الشيوعية في الخفاء.

لا اتذكر بالضبط متى بدات بالتفكير بشكل جدي بالقضية اليهودية. لا اعتقد انني استمعت لهذه الكلمة في منزلنا اثناء طفولتي. اعتقد ان والدي كان سيتضايق من الاهتمام بهذه القضية بل ويعتبر التركيز عليها نوعاً من انواع التخلف. وبسبب تجاربه المختلفة، وصل لنوع من العالمية التي، بالرغم من وطنيته، اثرت على بشكل ما. وما رايت في المدرسة ما دفعني لتغيير افكاري. واتذكر الان وجود شاب يهودي معنا في المدرسة، ولم نكن نثق به بسبب تسريبه للاخبار من شخص لآخر. ولكن هذا لم يدفعني للتفكير بالامر بشكل جدي.

في سن الخامسة عشر، استمعت لحوارات دينية وسياسية تناولت القضية اليهودية، ولكني ضقت ذرعاً بها نظراً لطبيعتها الدينية. كان هناك بعض اليهود في لينز. ومع مرور القرون، تغيرت طباعهم ومظهرهم لدرجة انني اعتبرتهم الماناً. ياللبلاهة! تصورت انه لا فرق بيننا وبينهم سوى الدين. حقيقة معاناتهم للاضطهاد بسبب دينهم، كما تصورت واهماً ، دفعتني للغضب حين سمعت الناس ينتقدونهم.

ثم جئت الى فيينا.

وبسبب اهتمامي بالمعمار والصعاب التي واجهتها، لم الاحظ وجود مئتا الف يهودي بين المليونين الذي يقطنونها. غمرتني الافكار والقيم الجديدة. وفقط مع عودة الوعي والتروي وضحت الرؤية. في البداية ، اغضبتني للغاية انتقادات بعض الصحف المحلية لليهود، وتصورت انها رجعة لتطرف العصور الوسيطة. وبما ان المجلات المعنية ما كانت حسنة السمعة، تصورت ان القضية لا تزيد عن كراهية وحسد. واكد صحة هذا الراي الاسلوب النبيل الذي استخدمته الصحف الكبيرة في الرد على هذه الاتهامات، او رفضها احيان كثيرة مجرد التعليق عليها، وقتلها بالصمت المطبق.

قرات الصحافة الدولية واذهلني وسع افقها ومواضيع مقالاتها. احترمت سموها الفكري، وان ضايقني احياناً ما اعتبرته نوع من النفاق على حساب الحقيقة. فقد رايت مغازلة هذه الصحف للسلطة. وما حدث امر يتعلق بالحكومة، الا ووصفوه بحماس منقطع النظير. وفي ذات الان، كانوا احياناً يهاجمون الحكومة القيصرية في المانيا. كانت موضوعيتهم اذاً عبارة عن احترام مصطنع لاتفاقية بين دولتين. شعرت بسطحية هذه الصحافة، وبدات الاحظ نقاط ضعفها. قراتها الان بحذر، ولاحظت ان الصحافة المعادية لليهود، كانت اكثر صراحة احياناً. بل ان بعض ما نُشر على صفحات الاخيرة كان يدفع للتفكير.

وفي يوم لاحظت يهودياً في شوارع فيينا وتطلعت له متسائلاً: هل هذه الرجل الماني؟ كالعادة قمت بالقرائة عن هذا الموضوع، وكانت الكتب سيئة. الكتاب تصوروا ان القاريء يعرف كل ما هو ضروري عن اساسيات الموضوع، وجله قدم افكاراً غير علمية البتة. تراجعت، وخشيت ان تتكون لدي اراء غير عادلة بهذا الشان.

ما بات واضحاً لي هو ان اليهود ما كانوا الماناً ، بل شعباً خاصاً. فمنذ ان بدأت بدراسة الموضوع بت الاحظهم. وكانت تصرفاتهم واخلاقياتهم واشكالهم تخالف تماماً الالمان العاديين. بل اننني عرفت ان هناك بينهم حركة تدعى الصهيونية تؤكد على انهم شعب خاص. وكان واضحاً ان بعضهم وافقوا على هذه الفكرة، وعارضها آخرين. ولكن المعارضين للصهيونية بدوا لي كاذبين لانهم ما رفضوا الصهاينة كمارقين، بل كيهود يقدمون افكاراً خطيرة واساليب ضارة للتعبير عن هويتهم الدينية. وهكذا كانوا جميهاً جسداً واحداً ، الصهاينة وغيرهم.

خلال فترة قصيرة تقززت من الحوار بين اليهود الصهاينة واليهود غير الصهاينة لان الحوار بدا لي مبنياً على خداع كاذب لا يتلائم مع السمو الخلقي والطهارة التي يدعيها الشعب المختار لنفسه.

ثم لاحظت ايضاً الدور الذي يلعبونه في الحياة الثقافية: ولا ادري هل يوجد اي نوع من انواع الفساد الاخلاقي والثقافي بدون ان يكون احدهم وراءه. لاحظت دورهم في الصحافة، الفن، الادب ، المسرح. لم احتاج سوى لقراءة الاسماء وراء كل انتاج يسعى لهدم البنية الاخلاقية للمجتمع، وفي جميع الميادين. ان انتجت الطبيعة واحداً مثل جوثة، فهناك مقابله الاف من هؤلاء الذين يبثون السموم في ارواح الناس. وبدا كأن الطبيعة قد خلقت اليهود للقيام بمثل هذه الادوار.

تسعة اعشار القذرات في ميداني الادب والمسرح انتجها الشعب المختار، وهم لا يزيدون عن 1% من السكان. اما الصحافة الدولية التي احببتها يوماً فكان غالب كتابها منهم. ادركت الان ان اسلوبهم الموضوعي في الرد على مهاجميهم ، والتزامهم الصمت احياناً، ما كانا سوى خداعاً يهدف للسيطرة على الناس. لاحظت ان الاعمال المسرحية والادبية التي يمتدحونها هي التي يقدمها اليهود، اما الاعمال الادبية الالمانية، فانتقدوها دائماً بقسوة بالغة. ما اختبا وراء الوضوعية المصطنعة كان العداوة الشديدة لكل ما هو الماني.

ولكن ، لمصلحة من كان كل هذا؟

هل كان كله محض صدفة؟

بت غير واثق شيئاً فشيء.

ثم لاحظت الاخلاقيات اليهودية في الشارع. علاقتهم بالدعارة، بل وباستعباد البيض، كان واضحاً جداً في فيينا. وهكذا حين ادركت ان اليهودي هو ذلك المرابي البارد القلب، المنعدم الحياء، الذي يستثمر امواله في هذه التجارة الفاسدة التي تدمر المجتمع، ارتعشت اطراف جسدي.

بدات بمناقشة القضية اليهودية، وتعودت ان اراهم في مختلف فروع الحياة الثقافية. ولم استغرب حين عرفت ان زعيم الحزب الديمقراطي الذي تحدثت عنه اعلاه كان يهودياً.

وحتى في علاقاتي اليومية مع العمال، لاحظت قدراتهم المذهلة على تقبل اراء متعاكسة، متذبذبين بين اتجاه واخر احياناً خلال ساعات او ايام محدودة. لم استطع ان افهم كيف يمكن لاناس، حين تتحدث مع احدهم ، يبدو لك منطقياً واقعيا، ان يتحول فجاة تحت تاثير رفاقه لاراء معاكسة لكل منطق. احياناً شعرت بالياس التام المطبق. فبعد ساعات قضيتها في حوار مضني، شعرت بانني ساعدت في تحرير احدهم من هراء آمن به، وسعدت لنجاحي، ولكني سمعته يكرر ذات الهراء ثانية صباح اليوم التالي، وذهب جهدي هباء.

فهمت انهم ما كانوا قانعين باوضاعهم وبغضوا القدر الذي عاملهم بقسوة شديدة ، والرجال الذي بخسوهم الاجر وما فهموا معاناتهم، وانهم تظاهروا ضد ارتفاع الاسعار، كل هذا كان مفهوماً. ولكن ما لا افهمه كان كراهيتهم لجنسهم ووطنهم، واحتقارهم له، وتدميرهم لتاريخه. كان هذا الصراع ضد جنسهم وقبائلهم وبلادهم تدميراً للذات. وان امكن معالجتهم منه، فلساعات محدودة.

ثم لاحظت ان صحافة الديمقراطيين تحكم فيها اليهود: ومع ان ظروف العمل في هذه الصحف شابهت غيرها، الا انني لم اجد بينها واحدة يمكن اعتبارها حسب رؤيتي الخاصة، وطنية. كانت الصحافة التي يديرها اليهود شيوعية في العادة، واسعدني هذا. اذ عرفت ان الحزب الذي كنت اتصارع معه منذ شهور كان اجنبياً، فاليهود ما كانوا ابداً المانا.

عرفت الان من اغوى شعبنا لطريق الظلال.

عرفت ايضاً ان انقاذه ممكن.

اما اليهودي، فارائه الضالة لا تتغير ابداً.

فقد حاولت آنذاك مناقشتهم: تحدثت كثيراً واوضحت شرور الفكر الماركسي، ولكن بلا فائدة سوى ان يبح صوتي. واحياناً ،حين نجحت في اصابة احدهم بضربة فكرية مميتة، وشاهد جميع السامعين هذا، واضطر غريمك للموافقة، فانه سيعود صباح اليوم التالي لموافقه ذاتها، وكان أي تغيير لم يحدث.

وكان لكل هذا فائدة: فكلما فهمت اساليب اليهود وخداعهم بشكل افضل، زاد عطفي على العمال وادركت انهم ضحايا لهذه الاساليب واغوائها.

تراجعت عن الافكار الدولية وبت ناقماً على اليهود. وحين درست نشاطاتهم عبر القرون، تسائلت : هل كتب القدر لهم التوفيق والسيطرة على الاخرين، لاسباب لا نعرفها؟ هل يمكن ان يكون النصر حليفاً لامة ما عاشت الا للدنيا؟

تفكرت مرة اخرى في عقائد الماركسية ، وتعلمت اشياء جديدة: ان هذه العقيدة ترفض فكرة الصفوة الارستقراطية الموجودة في الطبيعة وتستبدل القوة الفكرية بالكثرة العددية. وهي لهذا السبب ترفض أي قيمة فردية، وتعارض الفكر القومي، وتسحب من الانسانية ثقافتها. انها فكرة كفيلة بتدمير أي حضارة، وان انتصر اليهودي بمعونة هذا الفكر، فان نصره سيكون الدمار النهائي للانسانية.

ولذلك اشعر انني اتصرف بمعاونة الخالق العظيم ومن اجل تحقيق اهدافه السامية لمصلحة البشرية حين ادافع عن نفسي ضد اليهودية واعلن الحرب عليها.

Saturday, January 31, 2009

How to go abroad ?
Tips from Scholarship-Positions.com

Your career actually begins with choosing a college. It is a big decision. The key is to remember that there's no such thing as a "perfect" college. You will need to find out the list of colleges and universities that match your preferences.

Consider what country you wish to study in. Much of the decision to study abroad is more about the cultural and social experience you are likely to have in your destination than it is about classroom considerations. Studying in Australia is very different from studying in Singapore or Ireland. Weigh up what you personally want from the country you are going to study in.

Explore your interests and take the time to find the college that's right for you. It's always better to do a bit of research before you go to any consultant. It makes his or her life easy too.

Research your potential universities very carefully. Choosing the best university for your international study abroad experience is not all about an institution that comes top of the world university rankings. It’s more about your personal preferences and interests so that the choice that you make is the right one for you.

Choose a university that is known. It doesn’t have to be a world famous institution like the University of Oxford or Harvard University, but it should be a university or college that is recognized either in general terms or for a specific program or academic area. If you think you will work internationally, it is vitally important that your degree qualification will be recognized wherever you go.

Once you have short listed the universities based on your choice of course, a big task still remains. You need to decide which country you want to go and why. Is it the paradise called United States or is it the United Kingdom? Or the lovely country called Australia? You need to do a SWOT analysis [Strength, Weakness, and Opportunity & Threat] which will help you to reduce your list even further.

A useful look at these few factors may make you feel much more relaxed:
• Which Courses do you want to study
• Does it match with your desired career option
• Are there any job/placement opportunities
• How are the lecturers/professors
• How is the Alumni relationship
• Are there activities outside the classroom

There's no general agreement about which of these factors are ranked more important. However, one has to keep in mind a few more factors before taking a plunge.

Make sure that the university you choose to study abroad at is used to welcoming international students to their campus. It is important that they have a support network for you and that they are in a position to anticipate some of the questions that you might have. Always look for an International Office or Office of Student Exchange and see what they have to offer you. See student support services.

Consider ways in which you will finance your study abroad program. This is often one of the most crucial areas for all students wishing to study abroad, and can make the difference between going and staying home. Financial aid, scholarships and bank loans are all available and are commonplace amongst the millions of students that study abroad every year. The university you make your first choice should be one that offers some prospect of financial aid. See Top Universities Student Finance guide for more information.

Once you have a shortlist of universities and colleges that you are interested in, try and locate current and former students to help you make your final decision. The universities in question should help you with this. Alumni are often the very best source of information about life on campus, especially if they too are international.

Make sure that when you apply your application is in good time and complete. Universities will rarely make decisions if something is missing from your application material and this will delay the whole process, reducing your prospects of being successful. Prepare for any necessary tests well ahead of time and fulfill all requirements before you send off your application form.

Once you have an offer of admission and, if relevant, obtained your student visa, prepare for your study abroad experience. Make sure you understand the procedures for getting international student accommodation and try and secure this before you leave home. Through your university you will be put in touch with other students from your country and you can begin to make some plans. Perhaps arrange to travel together? Or at least start to talk about your forthcoming adventure.

Be prepared to learn a new language. Many of the world’s top universities teach in English but are located in non-English speaking countries. Learn a few phrases of the local language to help you adjust and meet people. If the language is the same as yours, try and find out a little about the culture to make the most of your new environment.

Finally, enjoy the anticipation of your forthcoming international study experience. You can’t plan for everything, so relax and make sure that you are ready for the basics your arrival, your student housing and your first few days at university and then see how the rest develops!

Wednesday, January 21, 2009

وداعاً بوش
د. عائض القرني

الفراق صعب، ودموع الأحباب تخونهم عند فراق الحبيب، فقد تابعت كيف ودع العالم الرئيس اللامع طيب الذكر والسيرة والسريرة الرئيس المجدد الموفق (جورج بوش) فتذكرت قول ابن زيدون

ودّع الصبرُ محباً ودعك ـ ذائعاً من سره ما استودعك

سوف يترك الرئاسة والبيت الأبيض ويذهب وقد ترك العالم في حيرة بعد إنجازات لم يسبقه إليها أحد، فقد دمر الاقتصاد الأمريكي وقطع جسور العلاقات الدولية وداس سمعة الولايات المتحدة الأمريكية، ودمر العراق، وخرب أفغانستان، وأعان في حصار غزة، وصدّر الديمقراطية على دبابة، وأرسل العدالة على صاروخ، ووزع الغذاء على قنابل، وأفسد الماء، وحجب الهواء، وأسال الدماء، ومنع الغذاء، وعطل الدواء، وسجن الأبرياء، ورمل النساء، ويتّم الأطفال الضعفاء، وعذّب الشرفاء، وخذل الأوفياء، وخالف النصحاء، وأطاع الأغبياء، وتنبأ بأن الجيش الأمريكي سوف يُستقبل بالباقات والبسمات، فإذا هو يُستقبل بالجزمات، وغضب الأحياء والأموات، وصرخات الأمهات، وأصيب جنوده بمرض الوسواس القهري وانفصام الشخصية والهذيان والغثيان والإسهال ومرض الأنيميا والأيدز، مع التشوهات الجسمية من قطع الأيادي وبتر الأقدام وجدع الأنوف وكسر الجماجم وتهشيم العظام، والآن يرحل الرئيس بوش ونسأل الله له طول العمر ليرى بنفسه ثمار إنجازاته، ونتائج فتوحاته ويتذوق حلاوة أعماله «يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ»، وعزاء بوش السمعة الحسنة والذكر الجميل والحب الذي زرعه في القلوب، وأقترح أن يبنى له نصب تذكاري في كل من غوانتنامو وأبو غريب وتورا بورا ومعابر غزة، وأرفع له الشكر باسم القوميّة العربية من المحيط إلى الخليج (أمة واحدة ذات رسالة خالدة) لكنها راكدة جامدة خامدة هامدة جاحدة، وأشكره باسم دول الصمود والتحدي والتردي (والمهليّ ما يوليّ) وأشكره باسم قتلى الرافدين وشيوخ أفغانستان وعجائز فلسطين وأطفال غزة، وأشكره باسم علماء البيئة على أن أراحهم من العمل بتدمير البيئة، وباسم علماء الاقتصاد لأنهم أصبحوا في عطلة، وباسم صناعة السيارات لأنها تقلصت، وباسم البنوك التي (نيّلها بنيلة)، وطيّنها بطينة، كما نرفع له أسمى آيات الاعتراف بالجميل، لأنه أضعف (أمريكا) القطب الواحد لتكون القطب الرابع، وساعدنا في تشتيت الجيش الأمريكي وتبديد الثروة وتضييع الطاقة وغرس الهزيمة النفسية في قلوب شعبه، كما نرفع له باقات من الورد بقدر القنابل العنقودية التي ألقاها على الفلوجة والبصرة وقندهار، ونبعث له بغرشات الورد بقدر الغازات السامة التي نثرها في الخليج وكابول، باسم كل طفل معاق وطفلة مشوهة وشاب مقعد وشيخ مخرف وعجوز كسيرة حسيرة كان بوش السبب في شقائهم وتعاستهم، وباسم كل يتيم ومشرد ومضطهد ومسجون، ونتمنى له أياماً سعيدة يتلذذ فيها بالنظر إلى الأجساد الممزقة والوجوه المحرقة والأنوف المقطعة والعيون المفقوءة والآذان المشرومة والصدور المحطمة، كما نشكره على براعته في الخطابة، وسرعته في الإجابة، مع الوسامة وارتفاع القامة وضخامة الهامة، مع (الكريزما) الجذابة الخلابة، والهمة الوثابة التي لا تجتمع لأحد إلا بخذلان من الله، والآن نودع بوش وعزاؤنا في فراقك دعاء منا لك بظاهر الغيب، وذكرى جميلة لن ننساها لك، وتاريخ مشرق يبقى لك أبد الدهر،

والآن مُتْ متى شئت فالموتُ أستر والقبر أجدر

Saturday, January 10, 2009

مقال منقول

--------------------------

كلام علمي و جد و عليه ادلة مقنعة
صواريخ المقاومة العبثية اقوى من طائرات الــ
f16

تخيل ان عم ابو بشلة قرر انشاء فريق كرة قدم
و لان الفريق اصلا مكون من زكي مطاوي و عوض جنح و سعدون المعتوه
و المدير الفني هو الفشلة
طبعا لا يمكن نتخيل ان الفريق ممكن ينجح او يكسب او يدخل الدوري الممتاز
عم ابو بشلة حب يعمل دعاية للفريق فكلف شعبان عبد الرحيم انه يعمل اغنية يتحدى فيها فريق الاهلي انه يلاعب فريق ابو بشلة

الاهلي قرر يلعب مع ابو بشلة مباراه التحدي (غلطة عمره) طبعا الاهلي فاهم حكمة الكابتن لطيف (الكورة اجوان) ...

بينما ابو تريكة مستلم مرمى فريق ابو بشلة و شغال احراز اهداف هو و اصحابه

طبعا فريق ابو بشلة قرر ينفذ خطته في اللعب و بكل قوة
فتم رشق ابو تريكة في ظهره بمطواه قرن غزال اثناء اللعب
الحكم فكر ينهي المباراه لكن فريق ابو بشلة ضغط عليه
و بدا لاعبي الاهلي يخرجوا من الملعب على نقالات
و قبل نهاية المباراه بدا بلطجية ابو بشلة في تهديد الحكم لالغاء الـ17 هدف لصالح الاهلي و احتساب اعداد المصابين من فريق الاهلي باعتبارها مكاسب حقيقية على الارض استطاع من خلالها فريق ابو بشلة انه يثبت جدارته و يخرج 7 لاعبين من الاهلي على نقالات و ربما لا يستطيعون اللعب بعد ذلك طول عمرهم

ربما استطاع ابو بشلة تكسيح الاهلي و ربما زور النتائج و اخد الكاس تحت تهديد السلاح
لكن الحقيقة ان فريق ابو بشلة خسر مباراه كرة القدم و كسب في البلطجة


لنفهم من المنتصر و الخاسر في اي لعبة لازم نفهم قواعد اللعبة


لو طبقنا هذا الكلام على ما يحدث في فلسطين و طبقنا نظرية د/عبد الوهاب المسيري الذي انفق هو و فريق من الباحثين 25 سنة من عمرهم في كتابة موسوعة عن الصهيونية ليعرفنا كيف نضربها في مقتل
نجده انتهى من بحثه بعبارة واحدة لو فهمناها صح و حتى لو كسلنا نقرا موسوعة الصهيونية فاننا نستطيع هزيمة الصهيونية في اقل من 20 سنة (كما تنبا بذلك الشيخ ياسين الذي قرر ان دولة اسرائيل لن تشرق عليها شمس عام و 2027 و عندما راجعه احد الصحفيين في هذا قبل استشهاده رد عليه بانه اكثر تشاؤما من بعض مفكري و قيادات و علماء الصهاينة الذين يشككون في تجاوز الدولة العبرية عام 2017 )

نعود الى خلاصة المسيري
هذه الخلاصة هي
"الصهيوني اتى من انحاء العالم الى فلسطين ليعيش حياه افضل من التي يمكنه ان يعيشها في اوربا و امريكا
و ان الصهيوني الذي يقتنع بالفعل ان المقاومة مستمرة و قادرة على ازعاجه مجرد ازعاجه بتهشيم زجاج سيارته او اسماعه دوي انفجار كل مدة من الزمن او ارغامه على المبيت في الملاجئ بعض الايام من كل سنة فان اقتنع الصهيوني ان هذا الوضع سيستمر لا امل في انهائه فانه لا يتردد مطلقا في الهجرة من فلسطين و تركها للابد
و على من يريد رصد نجاح المقاومة او فشلها ان يتجنب النظر لاعداد القتلى عندنا و عندهم لان الطبيعي في كل تاريخ الحروب و المقاومة في العالم فان الطرف المستعمر كانت خسائره المادية اقل كثيرا من الشعوب المقاومة

و لكن لو اردنا قياس مدى نجاح المقاومة فعلينا البحث عن ارقام اخرى اكثر دلالة
ما هي هذه الارقام
ارقام الهجرة التي توقفت و التي لم تكن تنقطع قبل الانتفاضة و في فترات هدوئها
ارقام الصهاينة الحريصين على التجنس بجنسيات اجنبية بجوار الجنسية السرائيلية رغم ان هذا كان من المحرمات في العقيدة و الفكر الصهيوني لكن الواقع ان ما يقارب ثلث الصهاينة حاليا يحملون جنسيات و جوازات سفر اجنبية
ارقام من يقضون الاعياد بما فيها الاعياد اليهودية خارج حدود فلسطين بينما كان اليهود حتى وقت قريب من كل انحاء العالم يقضون الاعياد المقدسة في فلسطين
في مقابل ازياد الرغبة الفلسطينية في صلاة العيد في ساحات المسجد الاقصى رغم التهديد ااسرائيلي بالقصف

ارقام المتهربين من التجنيد
متابعة اعلانات و تسهيلات البنوك الاسرائيلية لشراء عقارات في امريكا و اوربا (فرنسا تحديدا) و بالتقسيط مما يعني اعداد كل مستوطن صهيوني لمكان بديل حالة استمرار المقاومة و ان هذه اصبحت رغبة منتشرة ما بين الصهاينة
اعداد من يحملون الجنسية الاسرائيلية اسما بينما يعيشون اغلب اوقات السنة خارج فلسطين
الاعفاءات الضريبية و التسهيلات و الخدمات المجانية التي يتم رشوة المستوطنين بها للاقامة في المدن التي تطالها اعمال المقاومة (الصواريخ العبثية كما نقول عنها)
و من ضن معايير المسيري لقياس عمر الدولة الصهيونية بحثه في النكتة الاسرائيلية و قد كان له في هذا بحث طريف منه هذه النكتة
و من النكات المتداولة في الشارع السرائيلي نكتة تقول
طبيب يسال المريض ما مهنتك
المريض : كاتب
الطبيب: في اي المجالات تكتب
المريض : مستقبل دولتنا
الطبيب : اذن انت تكتب قصص قصيرة
"


انتهى ما لخصته بتصرف من كلام المسيري في خلاصات بحثه عن نقطة ضعف هذه الدولة وشيكة الزوال
هل كلام المسيري مجاملة لحماس او لغيرها من الفصائل
هل هو كلام غير علمي و ان الرجل اضاع عمره في اوهام
هل قيادات الاستخبارات في امريكا و اسرائيل لا يهمها هذا الكلام و تعتبره فلسفة و كل ما يهمها هو قتل اكبر عدد من الطرف الاخر دون حساب جدوى

ليست هذه هي الحقيقة
الحقيقة ان الامريكان و الاوربيين و الصهاينة يحسبون الامور بحسابات اكثر فلسفة و تعقيدا مما نتخيل

الدليل
ايام ازدهار المقاطعة تعرضت شركة كوكاكولا مصر لخسائر فادحة قدرت بثلثي راس المال و نشر هذا في اعلانات رسمية في الاهرام و غيرها
و بحسابات الربح و الخسارة كان يجب انسحاب كوكاكولا من السوق المصرية لكن الواقع انه تم دعم الشركة بعدة ملايين لتستمر في السوق المصري برغم الخسائر
اي ان هناك حسابات اخرى غير مشروع خاسر او كسبان

و لقد قرات مرة مقال مترجم عن انزعاج دوائر الاستخبارات في امريكا و اسرائيل لان المقاطعة حققت اقصى نجاح لها في سلع الاطفال مما جعلهم يخرجون بنتيجة ان الجيل القادم (من كانوا اطفال عام 2000) هو جيل اكثر شراسة و اكثر رغبة في المقاومة في حين ان الجيل الجديد في اسرائيل اسرع مللا من قصة تاسيس الدولة و كفاح الاباء و اكثر تهربا من الجندية و اكثر رغبة في الحياة الرغدة البعيدة عن المشكلات من الجيل الذي اسس الدولة
اذن هناك حسابات اخرى
غير حسابات الاعلام العربي الساذج الذي يكتفي بتغطية اخبارية سطحية تقول لنا مات عشرة هناك مقابل 400 عندنا و كان النتيجة النهائية للمعارك ستتحدد بعدد القتلى من الطرفين

الواقع يقول
ان كل اسرة فلسطينية يموت لها طفل او شيخ في فلسطين فانها تزداد تمسكا بالارض (الام الفلسطينية تقول عايزة اموت بجوار اولادي)

الاسرة الاسرائيلية التي يتعرض زجاج منزل جيرانها للكسر تفكر بجدية في الهجرة من الدولة المزعومة و لا يثنيها عن قرارها الا وعود السياسيين الصهاينة عن خطط جديدة لنزع فتيل المقاومة او طرح مبادرة عربية جديدة للسلام
و قد اثبت المسيري رحمه الله هذا بجداول و احصاءات عن نسب الهجرة و الاستيطان و ارتباطها بمواسم المقاومة و مبادرات السلام او الاستسلام

و نخلص مما سبق
طائرات الـ
f16
اثبتت ان الفلسطينيين نائمين في بيوتهم رغم القصف المستمر و انهم حتى لم يفكروا في ترك المنازل و المبيت في ملجأ او نفق
و ان طائرات ال
f16
تدعو الفلسطينيين الى مزيد من الارتباط بالارض و انجاب المزيد من الابناء ليعوضوا من مات بما هو ات

صواريخ المقاومة العبثية او الصوتية من وجهة نظر اعلامنا السطحي كل صاروخ منها يبيت مدينة كاملة في الملاجئ و يغلق المدارس لايام و يضطر الصهاينة لتخفيض الضرائب و زيادة الخدمات رشوة للمستوطن الاسرائيلي حتى لا يهاجر و يتخلى عن حلم الدولة المزعومة

و في النهاية اختم مقالتي الطويلة التي بدات بالكرة و انتهت بالحرب اختمها بالاسم الذي اطلقته الالة الحربية الصهيونية على المعركة
"كسر الارادات"

صواريخ المقاومة العبثية اصابتهم بانهيار عصبي
فهل كسرت ارادتكم يا اهل المقاومة
هل ستتخلى حماس و الفصائل الفلسطينية عن العبث بالصواريخ
و هل سيخرج الشارع العربي متظاهرا ضد حماس يقول لها اوقفي هذا العبث
اما انا فاقول استمري يا حماس في الــ............. الـجــهـــاد

-------------------------------------------

منقول